وقولها: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَجْمِعاً ضَاحِكاً) المستجمع: المجِدّ في الشيء القاصد له.

وقال في "الفتح": رواية الكشميهني: "مستجمعاً ضَحِكاً"؛ أي: مبالغاً في الضحك، لم يترك منه شيئاً، يقال: استجمع السيل: اجتمع من كلّ موضع، واستجمعت للمرء أموره: اجتمع له ما يُحبّه، فيكون "ضاحكاً" منصوباً على التمييز، وإن كان مشتقًّا، مثلُ لله درّه فارساً؛ أي: ما رأيته مستجمعاً من جهة الضحك بحيث يضحك ضَحِكاً تامًّا مقبلاً بكلّيته على الضحك (?).

(حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ) بالتحريك: جمع لَهَاة، وهي اللحمة المتعلّقة في أعلى الحنك، ويُجمَع أيضاً على لَهًى بفتح اللام، مقصوراً.

وقولها: (إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ) هذا لا ينافي ما جاء في الحديث الآخر: "أنه - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حتى بدت نواجذه"؛ لأن ظهور النواجذ، وهي الأسنان التي في مُقَدَّم الفم، أو الأنياب لا يستلزم ظهور اللهاة، قاله في "الفتح" (?).

وقيل: كان التبسّم على سبيل الأغلب، وظهور النواجذ على سبيل الندرة، قاله في "المرعاة" (?).

وقولها: (عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ) ببناء الفعل للمفعول، وفي رواية البخاريّ: "عُوِفت الكراهية في وجهه"، قال في "الفتح": عَبَّرَت عن الشيء الظاهر في الوجه بالكراهة؛ لأنه ثمرتها. انتهى.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قولها: "عرف ذلك في وجهه" أي: ظهر أثر الخوف في وجهه - صلى الله عليه وسلم - مخافة أن يحصل من ذلك السحاب، أو الريح ما فيه ضرر للناس، فدلّ نفي الضحك البليغ عنه - صلى الله عليه وسلم - على أنه لم يكن فَرِحاً لاهياً بَطِراً، ودلّ إثبات التبسّم له - صلى الله عليه وسلم - على طلاقة وجهه، وبشاشته، ودلّ أثر خوفه من رؤية الغيم، أو الريح على رأفته، ورحمته على الخلق، وهذا هو الخلق العظيم. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015