الاستسقاء الخروج إلى المصلَّى، والخطبة، والصلاة، وبذلك قال جمهور العلماء، وذهب أبو حنيفة إلى أنه ليس من سنّته صلاةٌ، ولا خروجٌ، وإنما هو دعاءٌ لا غير، وهذا الحديث وما في معناه يردّ عليه، ولا حجّة لأبي حنيفة في حديث أنس - رضي الله عنه -؛ إذ فيه أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دعا من غير صلاة، ولا غيرها؛ لأن ذلك كان دعاءً عُجِّلت إجابته، فاكتَفَى به عمّا سواه، ولم يقصد بذلك بيان سنّة الاستسقاء، ولَمّا قصد البيان بيّن بفعله، كما في حديث عبد الله بن زيد. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن الحقّ هو ما عليه الجمهور من استحباب صلاة ركعتين للاستسقاء؛ لثبوت الأحاديث في "الصحيحين" وغيرهما بذلك، والذين ادّعوا عدم الاستحباب ليس عندهم دليلٌ، يعارض أدلّة المثبتين، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في تقديم خطبة الاستسقاء على الصلاة، أو العكس: قال الإمام ابن المنذر - رحمه الله -: اختلفوا في هذا الباب، فروينا عن ابن الزبير أنه خرج يستسقي بالناس، فخطب، ثم صلى بغير أذان، ولا إقامة، وفي الناس يومئذ البراء بن عازب، وزيد بن أرقم، قال: وروينا أن عمر بن عبد العزيز استسقى على المنبر، ثم نزل، فصلى، وروينا عن عبد الله بن يزيد أنه صلى، ثم استسقى، قال أبو إسحاق الراوي لهذا الحديث: فمشيت يومئذ إلى جنب زيد بن أرقم.
وقال مالك، والشافعي، ومحمد بن الحسن: يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه خطب قبل الصلاة.
وقال ابن المنذر - رحمه الله -: يخطب قبل الصلاة. انتهى.
وقال القرطبيّ - رحمه الله - في "المفهم": وظاهر الحديث أن الخطبة مقدمة على الصلاة؛ لأنه جاء فيه بـ "ثم" التي للترتيب والْمُهْلة، وبذلك قال مالك في أول قوليه، وهو قول كثير من الصحابة والتابعين، والجمهور على أن الصلاة مقدمة