حجرتها المطلّ على المسجد النبويّ، مستترةً به وبردائه، فوضعت رأسها على منكيه، وذَقَنها على العاتق، ووجهها ملتصقٌ بوجهه - صلى الله عليه وسلم -، وخدّها على خدّه.
وقولها: (وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ) قال في "القاموس": الْحَبَشُ، والْحَبَشَةُ محرَّكتين، والأُحْبُشُ بضمّ الباء: جنسٌ من السودان، جمعه حُبْشان، وأحابش. انتهى (?).
وقال في "المصباح": الْحَبَشُ: جيلٌ من السّودان، وهو اسم جنس، ولهذا صُغّر على حُبيش، والْحَبَشَةُ لغةٌ فاشيةٌ، الواحد حَبَشيّ. انتهى (?).
وقولها: (وَأَنَا جَارِيَةٌ) أي: صغيرة السنّ، فقد تزوّجها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهي بنت ست، ودخل بها، وهي بنت تسع، وتوفّي عنها، وهي بنت ثمان عشرة سنة، وإنما ذكرت ذلك اعتذاراً عن حبّها اللهو.
وقولها: (فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيةِ) "اقدُروا" بضمّ الدال المهملة، وكسرها، من بابي نصر، وضرب، لغتان، حكاهما الجوهريّ وغيره، وهو بمعنى قدّروا، والفاء في جواب شرط مقدّر؛ أي: فإذا عَذَرَني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقدّر عذري في ذلك، فقدّروا أنتم رغبتي، ورغبة أمثالي في ذلك إلى أن تنتهي، والمراد أنه يستغرق وقتاً طويلاً، ومع ذلك، فقد تحمّل - صلى الله عليه وسلم - مشاقّ ذلك رغبةً في رضاها، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (?)، فما أوسع حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم -، ولطيف عِشرته، وهو مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (?)} [القلم: 4].
وقولها: (الْعَرِبَةِ) بفتح العين المهملة، وكسر الراء؛ أي: المشتهية للّعب المحبّة له، وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: ومعنى الجارية العَرِبة، قال أهل التفسير في قوله تعالى: {عُرُبًا أَتْرَابًا (37)} [الواقعة: 37] واحدتهنّ عروبٌ، وهنّ المتحبّبات لأزواجهنّ، وقيل: غير هذا، وقيل: الْعَرِبة: الْغَنِجَة، وامرأة عاربة؛ أي: ضاحكة، والعروب النشاط، فقد تكون العرِبة هنا المشتهرة في اللعب، كما قال في الحديث الآخر: "الحريصة على اللهو". انتهى (?).