الْأَدَاءِ فَالنِّيَّةُ قَبْلَهُ لَهُمَا لَغْوٌ فَإِذَا فَرَغَ وَجَعَلَهُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَهَلَّ عَنْ آمِرَيْهِ ثُمَّ عَيَّنَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّعْيِينَ بَعْدَ الْإِبْهَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُعْلَمَ مِنْهُ حُكْمُ عَدَمِ التَّعْيِينِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَهُ لَهُمَا يَمْلِكُ صَرْفَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَأَنْ يُبْقِيَهُ لَهُمَا أَوْلَى وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ كَالْوَارِثِ فِي هَذَا فَإِنَّ مَنْ تَبَرَّعَ عَنْ أَجْنَبِيَّيْنِ بِالْحَجِّ فَهُوَ كَالْوَلَدِ عَنْ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْعُولَ إنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِمَنْ شَاءَ، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ فِي الْوَارِثِ الْمُتَبَرِّعِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَمَّا إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ الْفَرْضِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْحَجِّ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ إمَّا بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلًا فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِدَيْنِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ لَوْ قَضَى الْوَارِثُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ يُجْزِئُهُ فَكَذَا هَذَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو حَنِيفَةَ الْجَوَابَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَشِيئَةِ قُلْنَا إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ فِيمَا طَرِيقُهُ الْعَمَلُ فَأَطْلَقَ الْجَوَابَ فِيهِ فَأَمَّا سُقُوطُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمَيِّتِ بِأَدَاءِ الْوَرَثَةِ طَرِيقُهُ الْعِلْمُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى فَلِهَذَا قَيَّدَ الْجَوَابَ بِالِاسْتِثْنَاءِ. اهـ.

وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقَبُولِ لَا عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَمَنْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِ رَجُلٍ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ فَكَذَا فِي بَابِ الْحَجِّ. اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَجَّ الْوَلَدِ عَنْ وَالِدِهِ وَوَالِدَتِهِ مَنْدُوبٌ لِلْأَحَادِيثِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُقَيِّدْ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ بِشَيْءٍ لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّرُورَةِ وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَإِلَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لِمَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ، وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقُبِّلَ مِنْهُ، وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» . اهـ.

قُلْتُ: وَقَوْلُ الْفَتْحِ، وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا لَا تَلْغُو فَلَا تَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ مُسْقِطَةً لِلْفَرْضِ فَيَصْلُحُ رَدًّا لِمَا ذَكَرَهُ الْبَاقَانِيُّ فِيمَا مَرَّ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ إمَّا بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلًا يُجْزِئُهُ أَيْ يُجْزِئُ الْمَيِّتَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: يُجْزِئُ عَنْهُمَا كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِي كَرَاهَةِ الْإِحْجَاجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي الْحَجِّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ حَجَّ الصَّرُورَةِ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ بَلْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ لَا يُدْرِكُ الْفَرْضَ إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَتِهِ غَيْرُ نَادِرٍ. اهـ.

وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ التَّحْقِيقِ هَذَا وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ حَامِدٍ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ مُفْتِي دِمَشْقَ مَا نَصُّهُ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَى حَاجِّ الصَّرُورَةِ أَنْ يَمْكُثَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ الْمُفَسِّرِ بِمَا صُورَتُهُ مَسْأَلَةٌ: كعبه شريفه يه وَارْمِينَ زَيْدٌ فَقِيرٌ عُمْرك حَجّ شريف ايجون تعيين ايتدوكى اقجه اولوب عمر ونيتنه حَجّ ايلسه شَرْعًا جَائِزًا، وَلَوْ رَمَى الْجَوَابَ اكرجه جَائِزٌ دراما ير دَفَعَهُ حَجَّ ايده لَهُ ايتدرمك كَرَّ كَدُرِّ زُبُر ابوندن وَارَوْب حَجّ اشمك لَازِم الورانده مُجَاوِرًا وليجق عُمْرك حَجَّتِي إتْمَام اتممش اولور. اهـ.

أَقُولُ:، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ بَحْثٌ إنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ حَجَّ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا بِقُدْرَةِ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ، وَإِذَا أَتَمَّ الْحَجَّ يَمْضِي أَشْهُرُ الْحَجِّ فَإِنَّهَا شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ حَتَّى تَأْتِيَ أَشْهُرُهُ فَإِذَا كَانَ فَقِيرًا أَوْ لَهُ عَائِلَةٌ فِي بَلَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ إلَى السَّنَةِ الْآتِيَةِ بِلَا نَفَقَةٍ مَعَ تَرْكِهِ عِيَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ نَاقِلًا عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ عَلَى مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ مَا صُورَتُهُ: وَيَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ لِنَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَقَّفَ إلَى عَامٍ قَابِلٍ وَيَحُجُّ لِنَفْسِهِ أَوْ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ عَوْدَةِ أَهْلِهِ بِمَالِهِ، وَإِنْ فَقِيرًا فَلْتُحْفَظْ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ وَصَرَّحَ عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِ مَنَاسِكِهِ الْكَبِيرِ بِأَنَّهُ بِوُصُولِهِ لِمَكَّةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ. اهـ.

وَفِي نَهْجِ النُّحَاةِ لِابْنِ حَمْزَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ كَلَامِ حَسَنٍ فَلْتُرَاجَعْ. اهـ مَا رَأَيْته فِي الْحَامِدِيَّةِ.

وَرَأَيْت فِي بَعْضِ حَوَاشِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ أَفْتَى بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ مَوْلَانَا الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ لِتَلَبُّسِهِ بِالْإِحْرَامِ عَنْ الْغَيْرِ وَوُجُودِ الْحَرَجِ الْمَرْفُوعِ لَوْ أَقَامَ إلَى قَابِلٍ، وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً، وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ مَوْلَانَا السَّيِّدُ أَحْمَدُ بَادْشَاهْ فِي رِسَالَةٍ لَهُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ لَوْ حَجَّ الْفَقِيرُ نَفْلًا يَجِبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015