الْحَلْقُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لَكِنْ قِيسَ الطِّيبُ وَاللُّبْسُ وَالْقَصُّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْجَامِعِ، وَهُوَ الْمَرَضُ أَوْ الْأَذَى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهُ إلْحَاقٌ لَهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ فَهُوَ كَإِلْحَاقِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْجِمَاعِ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، وَفَسَّرَ الْعُذْرَ الْمُبِيحَ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْمَرَضِ أَوْ لُبْسِ السِّلَاحِ لِلْقِتَالِ، وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ الظَّنُّ لَا مُجَرَّدُ الْوَهْمِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلَاكُهُ أَوْ مَرَضُهُ مِنْ الْبَرْدِ جَازَ لَهُ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ مَثَلًا أَوْ سِتْرُ بَدَنِهِ بِالْمَخِيطِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَيُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِلُبْسِ جُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا إلَّا أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ اللُّبْسُ عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ مُخَيَّرَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُحْرِمِينَ يَغْفُلُ عَنْهُ كَمَا شَاهَدْنَاهُ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ وَيَأْثَمُ إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ وَصَرَّحُوا بِالْحُرْمَةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا هَلْ ذَبْحُ الدَّمِ أَوْ التَّصَدُّقُ مُكَفِّرٌ لِهَذَا الْإِثْمِ مُزِيلٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهَا مَعَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحُدُودِ هَلْ هِيَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَوْ لَا هَلْ يَخْرُجُ الْحَجُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا بِارْتِكَابِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا أَوْ لَا الظَّاهِرُ بَحْثًا لَا نَقْلًا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) لَمْ يُقَدِّمْ ذَلِكَ بَلْ قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْغَايَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فَقَالَ: وَلْيُتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَخْ. اهـ.
قُلْت: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا إذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ نَازِلَةً بِحَيْثُ تُغَطِّي رُبْعًا مِمَّا تَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ دَمٌ إنْ كَانَ يَوْمًا، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَجَابَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ إذَا اُضْطُرَّ إلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً، وَلَفَّ عِمَامَةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ وَضَعَ قَمِيصًا عَلَى رَأْسِهِ، وَقَلَنْسُوَةً يَلْزَمُهُ لِلضَّرُورَةِ فِدْيَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا بِلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْقَمِيصِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلرَّأْسِ إلَى الْقَمِيصِ بِخِلَافِ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ وَالطَّرَابُلُسِيّ، وَهُوَ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّغْطِيَةُ، وَقَدْ حَصَلَتْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْمَلْبُوسِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَمْ لَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ مُلْجِئَةٌ إلَى قَدْرِ قَلَنْسُوَةٍ غَيْرِ مُسْتَوْعِبَةٍ لِلرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ رُبْعُهُ لَيْسَ فِيهِ عُذْرٌ فَوَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ قَمِيصًا بِحَيْثُ غَطَّى رَأْسَهُ جَمِيعَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ فِيهِ جَزَاءَانِ بِلَا شُبْهَةٍ جَزَاءٌ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَجَزَاءٌ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا إلَخْ) نَقَلَ الْبَحْثَ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا إلَخْ) قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي قُلْت قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ إنَّ الْكَفَّارَاتِ تَرْفَعُ الْإِثْمَ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ عَنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ مِنْ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا كَفَّارَةٌ مَعْهُودَةٌ وَرَجَّحُوا مَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَمَلُوا مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَلَى غَيْرِ الْمُصِرِّ، وَقَالُوا عَلَى الْمُصِرِّ الْكَفَّارَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابُ فِي الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَ: الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّيْسِيرِ لِلْمُصِرِّ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَتُبْ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ الذَّنْبَ عَنْ الْمُصِرِّ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْحَجُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا بِارْتِكَابِ الْجِنَايَةِ عَمْدًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا صَاحِبُهَا. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ فِي بَحْثِ الْوُقُوفِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ، وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْفُسُوقَ الْمَعَاصِي ثُمَّ رَأَيْته فِي اللُّبَابِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ: شَارِحُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ عَامِدًا يَأْثَمُ، وَلَا تُخْرِجُهُ الْفِدْيَةُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهَا عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَالَ: أَنَا أَفْدِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ بِالْتِزَامِ الْفِدْيَةِ يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَإِذَا خَالَفَ أَثِمَ، وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، وَلَيْسَتْ الْفِدْيَةُ مُبِيحَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَجَهَالَةُ هَذَا الْفَاعِلِ كَجَهَالَةِ مَنْ يَقُولُ أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَأَزْنِي وَالْحَدُّ يُطَهِّرُنِي، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ حَجَّهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا. اهـ.
وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمِثْلِ هَذَا فِي الْحُدُودِ فَقَالُوا إنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ طُهْرَةً مِنْ الذُّنُوبِ، وَلَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ لَكِنْ قَالَ: فِي الْمُلْتَقَطِ إلَخْ ثُمَّ ذَكَرَ شَارِحُ اللُّبَابِ كَلَامَ النَّسَفِيِّ الْمَارِّ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا