وَيَحِلَّ مِنْهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ وَأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ يَقَعُ تَطَوُّعًا اهـ.
وَكَذَا الشَّارِحُ أَيْضًا فِي دَلِيلِ مُحَمَّدٍ لِكَوْنِ الْعَوْدِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ لِيُنْحَرَ عَنْهُ وَلَمْ يَحُجَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَقَوْلُهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِسَوْقِ الْهَدْيِ مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ الْمُتْعَةَ لَا مُطْلَقًا وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِي حَقِّ الْحَجِّ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَبِمُجَرَّدِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَحُجَّ ارْتَفَعَتْ نِيَّةُ الْحَجِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَيَحِلَّ وَلَا يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى عَزْمِ التَّمَتُّعِ فَيَمْنَعُهُ الْهَدْيُ مِنْ الْإِحْلَالِ فَإِنْ فَعَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ وَلَوْ حَلَّ بِمَكَّةَ وَنَحَرَ هَدْيَهُ ثُمَّ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ لَا فَإِنْ تَرَكَهُ إلَيْهِ فَتَمَتُّعُهُ صَحِيحٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ سَوَاءٌ عَادَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ تَعَجَّلَ ذَبْحَهُ فِإِمَّا أَنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ لَا فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَجَّ مِنْهُ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ الْحِلِّ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّمَتُّعِ فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ بِعَوْدِهِ إلَى أَهْلِهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا مَنَعَتْ التَّمَتُّعَ لِمَنْ كَانَ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا لِأَجْلِ إلْمَامِهِمْ بِأَهْلِهِمْ بَيْنَهُمَا بَلْ لِتَيَسُّرِ الْعُمْرَةِ لَهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْغَيْرِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا الْأَقَلَّ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ الْأَكْثَرَ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ الْحَلْقُ فَلَا بُدَّ لِلْبُطْلَانِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا وَبِهِ التَّحَلُّلُ فَلَوْ عَادَ بَعْدَ طَوَافِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْحَرَمَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْحَلْقِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ أَقَلَّ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ لَوْ طَافَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِهَا قَبْلَهَا وَأَتَمَّهَا فِيهَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ الْإِمَامُ الْأَقْطَعُ فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَنَّ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَحُكْمُ أَكْثَرِهِ حُكْمُ جَمِيعِهِ فِي بَابِ الْجَوَازِ وَمَنَعَ وُرُودَ الْفَسَادِ عَلَيْهِ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ إحْرَامِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ الطَّوَافُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ طَافَ كُلَّهُ فِي رَمَضَانَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي شَوَّالٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ لَا يُرْتَفَضُ بِالْإِعَادَةِ فَلَمْ تَقَعْ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ طَوَافُ الْجُنُبِ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ فَكَانَ الْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَرْتَفِعُ الْأَوَّلُ بِالْإِعَادَةِ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الطَّوَافِ فِي رَمَضَانَ الْمَنْعُ عَنْ الْعُمْرَةِ لِهَذَا السَّفَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ ثُمَّ ابْتَدَأَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ اعْتَمَرَ عُمْرَةً جَدِيدَةً وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَلَا يُرْتَفَضُ هَذَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بِالْإِعَادَةِ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْعٌ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُنْتَقَضَ بِالْإِعَادَةِ اهـ.
وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاعْتِمَارَ فِي سَنَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَانِعٌ مِنْ التَّمَتُّعِ فِي سَنَتِهِ سَوَاءٌ أَتَى بِعُمْرَةٍ أُخْرَى فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ الْمُتْعَةُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَدْخَلَ اللَّهُ الْعُمْرَةَ فِيهَا إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ رُخْصَةً وَتَمَتُّعًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَانِ أَيْضًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ قَالَ الْإِمَامُ الْأَقْطَعُ) هُوَ مِنْ شُرَّاحِ الْقُدُورِيِّ (قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالْحِيلَةُ لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ أَوْ الْقِرَانَ أَنْ لَا يَطُوفَ بَلْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ ثُمَّ يَطُوفَ، فَإِنَّهُ مَتَى طَافَ طَوَافًا مَا وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ طَافَ الْكُلَّ أَوْ أَكْثَرَهُ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى دَاخِلَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَارَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَهُمْ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ يَرْجِعَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآفَاقِيِّ الَّذِي صَارَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْآفَاقِ فِي الْأَشْهُرِ لَا يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا مَسْنُونًا لِمَا سَبَقَ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْإِلْمَامِ فِي التَّمَتُّعِ هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ إتْيَانِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ