يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ.
قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلِهَذَا قُلْنَا لَمْ يَصِحَّ تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لَكِنْ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ وَقِرَانُهُمْ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْهَا أَنَّهُمْ لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ، وَأَسَاءُوا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الْأَكْلُ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ وَلَا يُجْزِئُهُمْ الصَّوْمُ إنْ كَانُوا مُعْسِرِينَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي قَوْلِهِمْ لَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ نَفْيُ الْحِلِّ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ، وَلِذَا وَجَبَ دَمُ جَبْرٍ لَوْ فَعَلُوا، وَهُوَ فَرْعُ الصِّحَّةِ وَاشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ الْإِلْمَامِ فِيمَا بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ لِلتَّمَتُّعِ الْمُنْتَهِضِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وُجُوبُ دَمِ الشُّكْرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ التَّمَتُّعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لَهُمْ فَإِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَزِمَهُ دَمُ جِنَايَةٍ لَا دَمُ شُكْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّتِهِ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا بِالِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ سَوَاءٌ فِي رُخْصَةِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِلْمَكِّيِّ مَعْصِيَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَإِذَا قَرَنَ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا أَيْضًا وَيَلْزَمُهُ دَمُ جِنَايَةٍ وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ حَيْثُ تَصِحُّ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مِيقَاتِيَّتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ.
قَالَ الشَّارِحُونَ قَيَّدَ بِالْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَتَّعَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ دَمُ جِنَايَةٍ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي فِي إفَاضَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا أَوْ لَمْ يَطُفْ وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْعَالِهَا كَمَا لَزِمَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَرْجَمُ لَهُ فِي الْبَابِ الْآتِي اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْكُتُبِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَعْنِي بِهِ صَاحِبَ التُّحْفَةِ كَمَا يَأْتِي رَدُّهُ فِي الشرنبلالية بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مُتُونًا وَشُرُوحًا فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَتَمَتُّعِهِ، وَأَنَّ الْكَمَالَ نَاقَضَ نَفْسَهُ فِيمَا يَأْتِي وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا وَرَدَّهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مُرَادَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِمْ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ أَيْ الْمَسْنُونُ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ الصِّحَّةِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ هَذَا التَّوْفِيقَ قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلِهَذَا قُلْنَا إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ عَدَمِ صِحَّةِ الْقِرَانِ وَبَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ الْقِرَانُ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ) هَذَا خَاصٌّ فِيمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَحَلَقَ أَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ وَلَمْ يَحْلِقْ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَكُنْ مُلِمًّا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا فَدَعْوَى صَاحِبِ الْبَدَائِعِ عَدَمَ تَصَوُّرِ وُجُودِ تَمَتُّعِهِ خَاصٌّ بِصُورَةٍ، وَيُتَصَوَّرُ بِصُورَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الشرنبلالية وَكَانَ مَبْنَى مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرُ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْعِنَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَبْنَى الْمَسْأَلَةِ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُحِيطِ بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ عَنْ الْعُمْرَةِ وَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ عَنْ الْعُمْرَةِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ مَوْجُودٌ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ هُوَ مَا يَكُونُ عَنْ الْوَطَنِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى مَكَّةَ وَلَيْسَ هَاهُنَا بِمَوْجُودٍ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي مَكَّةَ وَعَلَيْهِ فَعَدَمُ التَّصَوُّرِ فِي الثَّلَاثِ مُسَلَّمٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ فَاشٍ بَيْنَ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْآفَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ قَرِيبٍ، وَمُعْتَمَدُ أَهْلِ مَكَّةَ مَا وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ خِلَافُهُ اهـ. مُلَخَّصًا.
فَقَدْ مَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ إلَى الْجَوَازِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَمَا حَقَّقَ الْمَقَامَ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنَّ الْوَجْهَ مَنْعُ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَوْ لَا ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَهُ وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَكَذَا رَدَّهُ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَنَقَلَ التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ وَمَيْلُ الْمُؤَلِّفِ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا ثُمَّ أَوَّلُ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ، وَقَدْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ وَكَثُرَتْ فِيهَا الرَّسَائِلُ وَالتَّصَانِيفُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ وَذَكَرَ حَاصِلَ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَعْتَمِرُ قَبْلَ الْحَجِّ قَالَ شَارِحُهُ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ مَمْنُوعٌ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ أَيْضًا، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَهَذَا الْمُتَمَتِّعُ آفَاقِيٌّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ الْعُمْرَةِ فَجَازَ لَهُ تَكْرَارُهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَيْضًا كَالطَّوَافِ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَنَّ مَا فِي اللُّبَابِ مُسَلَّمٌ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ السَّائِقِ لِلْهَدْيِ، أَمَّا غَيْرُ السَّائِقِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْبَحْرِ وَأَخِي زَادَهْ وَالْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَغَيْرُهُمْ اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إلَخْ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ