يَأْتِي بِأَفْعَالِ الْحَجِّ كُلِّهَا ثَانِيًا فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ إنْ شَاءَ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ أَعْنِي تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] جَعَلَ الْحَجَّ غَايَةً وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ طَافَ أَوَّلًا لِحِجَّتِهِ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا فَطَوَافُهُ الْأَوَّلُ وَسَعْيُهُ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَلْقَ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بَيْنَهُمَا بِالْحَلْقِ فَلَوْ حَلَقَ كَانَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ أَمَّا عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ فِيهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَمَّا عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَانَ تَحَلُّلِ الْقَارِنِ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ قَالَ الشَّارِحُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ وَفَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَحَلَقَ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ مِنْ عُمْرَتِهِ بَلْ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَهَذَا أَوْلَى.
(قَوْلُهُ فَإِنْ طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ جَازَ وَأَسَاءَ) بِأَنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا وَسَعَى كَذَلِكَ، وَأَرَادَ بِالْوَاوِ مَعْنًى ثُمَّ أَوْ الْفَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا أَتَى بِالسَّعْيِ بَعْدَ الطَّوَافَيْنِ وَلَا يُفْهَمُ هَذَا مِنْ الْوَاوِ لِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَلِهَذَا أَتَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِثُمَّ وَاخْتَلَفُوا فِي ثَانِي الطَّوَافَيْنِ فِي قَوْلِهِمْ طَافَ طَوَافَيْنِ فَذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحُونَ تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ إلَى أَنَّهُ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى، وَالسَّعْيُ بِتَأْخِيرِهِ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ اهـ.
وَذَهَبَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِهِمَا طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَبِالْآخِرِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِأَنْ أَتَى بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ سَعَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ يُجْزِئُهُ وَالْمُجْزِئُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ كَافِيًا فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْفَرْضِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ وَالْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ عِنْدَنَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمَا إلَّا طَوَافَ الْعُمْرَةِ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبُعَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالتَّمَتُّعُ يَشْمَلُ الْقِرَانَ الْعُرْفِيَّ وَالتَّمَتُّعَ الْعُرْفِيَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَيَّدَ بِالذَّبْحِ بَعْدَ الرَّمْيِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الذَّبْحَ بِالْمَحَبَّةِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهَا فِي ذَبْحِ الْمُفْرِدِ لِمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ، وَأَطْلَقَ الْبَدَنَةَ فَشَمِلَتْ الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ وَالسُّبُعُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةِ أَجْزَاءٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مُجْزِئًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحْرنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَشْهُرِ فَإِنَّهُ مِنْ وَجْهٍ فِي حُكْمِ مَنْ أَفْرَدَ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ أَفْرَدَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَارِنٍ إجْمَاعًا. اهـ.
(قَوْلُهُ فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ) سَيَنُصُّ الْمُؤَلِّفُ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَرْمُلُ فِي طَوَافِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَارِنَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ وَلَا يَرْمُلُ الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ إلَّا فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَمَّا الْمُتَمَتِّعُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْعَيَانِ بَعْدَهُ لِوُجُودِ السَّعْيِ عَقِبَ طَوَافِ التَّحِيَّةِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمُلَ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ عَنْ الْمُحِيطِ مَا يُشِير إلَيْهِ أَيْضًا وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا لَا يَرْمُلُ الْمُتَمَتِّعُ فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ التَّحِيَّةِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ نَعَمْ لَوْ طَافَ لِلتَّحِيَّةِ وَسَعَى وَرَمَلَ لَمْ يَعُدَّهُمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَكَرَّرَانِ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت أَيْضًا فِي اللُّبَابِ قَالَ فَيَطُوفُ لَهَا أَيْ لِلْعُمْرَةِ سَبْعًا وَيَضْطَبِعُ فِيهِ وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلْقُدُومِ وَيَضْطَبِعُ فِيهِ، وَيَرْمُلُ إنْ قَدَّمَ السَّعْيَ اهـ.
قَالَ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَالرَّمَلُ فِيهِ سُنَّةٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ حَيْثُ قَالَ يَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَرْمُلُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَإِنَّمَا الرَّمَلُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَارِنًا لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. اهـ.
(قَوْلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ يُجْزِئُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَإِنْ قُلْت الْمُرَادُ بِالْإِجْزَاءِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ قُلْت يَرُدُّهُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُجْزِئُهُ أَيْ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالسَّعْيِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ، وَإِنْ قَدَّمَ طَوَافَ الْحَجِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَصْلَ سَعْيِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بِطَوَافِهَا غَيْرُ وَاجِبٍ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَحَطَّ الْفَائِدَةِ أَنَّ سَعْيَهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِ طَوَافِ الْحَجِّ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا اكْتَفَيْنَا مُؤْنَةَ التَّعْبِيرِ بِالْإِجْزَاءِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الذَّبْحَ بِالْمَحَبَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِقَوْلِهِ إنْ أَحَبَّ، وَقَوْلُهُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهَا فِي ذَبْحِ الْمُفْرِدِ غَفْلَةٌ مِنْهُ