وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَذْكُرَهُ إنْ كَانَ شَيْخًا؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الصَّائِمُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَالسُّكُوتُ عَنْهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلِأَنَّ الشَّيْخُوخَةَ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ، وَإِنْ كَانَ شَابًّا يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ، وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوا لَوْ أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا: إنْ جَامَعْتُك فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ، وَلَمْ يَتَحَرَّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَا تُعْتَقُ، وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ لِلْأَمَةِ الْعُقْرُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُتَلَوِّمًا ثُمَّ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَنَوَى صَوْمًا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْبَقَّالِيِّ النِّسْيَانُ قَبْلَ النِّيَّةِ كَمَا بَعْدَهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ قُيِّدَ بِالنَّاسِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ بِالنَّاسِي، وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودَهُ وَعُذْرُ النِّسْيَانِ غَالِبٌ، وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَالْإِكْرَاهُ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمُقَيَّدِ وَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْأَدَاءِ بِالرَّأْسِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَيْثُ يَقْضِي الْمُقَيَّدُ لَا الْمَرِيضُ
وَأَمَّا حَدِيثُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» فَهُوَ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ، وَقَدْ أُرِيدَ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ فَلَا حَاجَةَ إلَى إرَادَةِ الدُّنْيَوِيِّ؛ إذْ هُوَ لَا عُمُومَ لَهُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَحَقِيقَةُ الْخَطَأِ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ كَالْمَضْمَضَةِ تَسْرِي إلَى الْحَلْقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ هُنَا أَنَّ الْمُخْطِئَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ، وَغَيْرُ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ وَالنَّاسِي عَكْسُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُخْطِئُ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِلصَّوْمِ وَغَيْرَ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ النَّاسِي هُنَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْخَطَأِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَمِمَّا أُلْحِقَ بِالْمُكْرَهِ النَّائِمُ إذَا صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَا يُفْطِرُ، وَكَذَا النَّائِمَةُ إذَا جَامَعَهَا زَوْجُهَا، وَلَمْ تَنْتَبِهْ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَمَى إلَى رَجُلٍ حَبَّةَ عِنَبٍ فَدَخَلَتْ حَلْقَهُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَمَا عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى فِيمَنْ اغْتَسَلَ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لَمْ يَفْسُدْ اهـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْفَسَادِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النِّصَابِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إنْ كَانَ شَيْخًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا إنْ رَأَى لَهُ قُوَّةً تُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ بِلَا ضَعْفٍ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَالِ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ، وَلَوْ أَكَلَ يَتَقَوَّى عَلَى سَائِرِ الطَّاعَاتِ يَسَعُهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنْ كَانَ شَابًّا ذَكَّرَهُ أَوْ شَيْخًا لَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ جَرَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ إنْ رَأَى فِيهِ قُوَّةَ أَنْ يُتِمَّ الصَّوْمَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَّرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ، وَلَوْ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً وَالنَّفَلِ فِي أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ أَوَّلًا
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الصَّائِمُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَعْلِيلُهُ بِذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا يَفْعَلُهُ مَعْصِيَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَا النَّوْمُ عَنْ صَلَاةٍ كَمَا صَرَّحُوا أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ لَكِنَّ النَّاسِيَ أَوْ النَّائِمَ غَيْرُ قَادِرٍ فَسَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُمَا لَكِنْ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ حَالَهُمَا تَذْكِيرُ النَّاسِي، وَإِيقَاظُ النَّائِمِ إلَّا فِي حَقِّ الضَّعِيفِ عَنْ الصَّوْمِ مَرْحَمَةً لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ) لَيْسَ الْإِنْزَالُ شَرْطًا فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ قِيلَ إلَخْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى هَذَا) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: يَعْنِي فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ أَمَّا إفْسَادُ الصَّوْمِ فَيَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْمُكْثِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَقَّالِيِّ: النِّسْيَانُ قَبْلَ النِّيَّةِ كَمَا بَعْدَهَا) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَلَوِّمِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الصَّائِمِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ نَقَلَ التَّصْحِيحَ عَقِبَ مَسْأَلَةِ الْمُتَلَوِّمِ فَقَالَ بَعْدَ مَا رَمَزَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ: وَالصَّحِيحُ فِي النِّسْيَانِ قَبْلَ النِّيَّةِ أَنَّهُ كَمَا بَعْدَهَا اهـ.
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ رَمَضَانَ مُعَيَّنٌ لِلصَّوْمِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَإِذَا أَكَلَ الْمُتَلَوِّمُ نَاسِيًا فِيهِ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ رَمَضَانِيَّتُهُ وَكَانَ هُوَ مُتَلَوِّمًا فِي مَعْنَى الصَّائِمِ صَارَ كَأَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ بِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى النَّفَلَ
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَيِّنًا لِلصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ لَا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ النِّسْيَانُ وَلِذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ إذْ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجْزِهِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَحَقِيقَةُ الْخَطَأِ أَنْ يَقْصِدَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْمُخْطِئِ مَنْ فَسَدَ صَوْمُهُ بِفِعْلِهِ الْمَقْصُودِ دُونَ قَصْدِ الْفَسَادِ كَمَنْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ الْفَجْرِ أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ فِي الْفَجْرِ وَرَمَضَانَ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّسَحُّرَ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ لَوْ جَامَعَ عَلَى هَذَا الظَّنِّ فَهُوَ مُخْطِئٌ اهـ.
قُلْت: بَلْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي السِّرَاجِ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ التَّكَلُّفِ لِتَصْوِيرِ الْخَطَأِ فِي الْجِمَاعِ بِمَا إذَا بَاشَرَهَا مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً فَتَوَارَتْ حَشَفَتُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْخَطَأِ جَائِزَةٌ) أَيْ عَقْلًا كَمَا