أَلْفٍ فِي بَيْتِهِ، وَحَالَ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِشَغْلِهِ بِدَيْنِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ وَغَصَبَ أَلْفًا، وَغَصَبَهَا مِنْهُ آخَرُ لَهُ أَلْفٌ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِ الْغَاصِبَيْنِ ثُمَّ أَبْرَأَهُمَا فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ أَلْفَهُ، وَالْغَاصِبُ الثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ لَوْ ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي، وَالثَّانِي لَوْ ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَصَارَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ مَانِعًا اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبْرِئْهُمَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ النِّصَابِ الْمَذْكُورِ مَا مُلِكَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ؛ وَلِذَا قَالُوا: لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا غَصَبَ مَالًا وَخَلَطَهُ صَارَ مِلْكًا لَهُ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَوُرِثَ عَنْهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ خَلْطَ دَرَاهِمِهِ بِدَرَاهِمِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ اسْتِهْلَاكٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا فَلَا يَضْمَنُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الضَّمَانِ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّمَا يُورَثُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ مِنْهُ

وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَوْلُهُ: أَرْفَقُ بِالنَّاسِ؛ إذْ قَلَّمَا يَخْلُو مَالٌ عَنْ غَصْبٍ اهـ.

هَكَذَا ذَكَرُوا، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْخَلْطِ فَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ وَالشَّرْطُ الْفَرَاغُ عَنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَلِذَا شَرَطَ فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ أَنْ يُبْرِئَهُ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لِشَغْلِهِ بِدَيْنِ الْكَفَالَةِ) أَقُولُ: إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الشَّغْلُ فِي مَالِ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَخْذِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ مَشْغُولًا لَكِنْ بَعْدَ تَعْيِينِ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِلْأَخْذِ ظَهَرَ شَغْلُ مَالِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ وَظَهَرَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لُزُومُ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِمْ حِينَئِذٍ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الشَّغْلِ تَأَمَّلْ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ قَبْلَ الْأَخْذِ مِنْ أَحَدِهِمْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَقًّا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ وَالْغَاصِبُ الثَّانِي لَا) أَيْ لَا يُزَكِّي أَلْفَهُ لِمَا يَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ إقْرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْغَاصِبُ الثَّانِي الْأَلْفَ؛ إذْ لَوْ بَقِيَتْ مَعَهُ يُزَكِّي أَلْفَهُ؛ لِأَنَّهَا سَالِمَةٌ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا غَصَبَهُ

(قَوْلُهُ وَلِذَا قَالُوا: لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا غَصَبَ مَالًا وَخَلَطَهُ إلَخْ) أَيْ خَلَطَهُ بِمَالِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَغَصَبَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَخَلَطَهَا بِبَعْضِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ كَانَ الْخَبِيثُ نِصَابًا لَا يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ وَاجِبُ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ إيجَابَ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ فِي الشرنبلالية وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِرَدِّهِ إلَى أَرْبَابِهِ إنْ عُلِمُوا وَإِلَّا إلَى الْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُوَفِّي مِنْهُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ فَإِنْ كَانَ زَكَّى مَا قَدَرَ عَلَى وَفَائِهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ: مَحْمِلُ مَا ذَكَرُوهُ مَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا اسْتَهْلَكَهُ بِالْخَلْطِ يَفْضُلُ عَنْهُ فَلَا يُحِيطُ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَهَذَا طَبَّقَ مَا فَهِمْته، وَلِلَّهِ - تَعَالَى - الْمِنَّةُ. اهـ.

قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت مَا يُفِيدُهُ فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ: وَمَنْ مَلَكَ أَمْوَالًا غَيْرَ طَيِّبَةٍ أَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَخَلَطَهَا مَلَكَهَا بِالْخَلْطِ وَيَصِيرُ ضَامِنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا نِصَابٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ، وَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ، وَمَالُ الْمَدْيُونِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا اهـ.

وَذَكَرَ فِي الشرنبلالية مِثْلَ مَا فِي السَّعْدِيَّةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ أَوْ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يُوَفِّي دَيْنَهُ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نِصَابٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يُوَفِّي دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُزَكِّي مَا زَادَ عَلَيْهِ إذَا بَلَغَ نِصَابًا كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ السَّعْدِيَّةِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا غَصَبَهُ بَلْ زَكَاةُ مَالِهِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ فَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ لَا يُقَالُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَنَحْوِهَا فَإِذَا كَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُسَاوِي مَا عَلَيْهِ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِمَّا غَصَبَهُ وَخَلَطَهُ صَارَ مِلْكَهُ وَلَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا فَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا بِمَا يُسَاوِي حَوَائِجَهُ الْأَصْلِيَّةَ، وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ لَزِمَ إيجَابُ الزَّكَاةِ عَلَى الْفَقِيرِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَلِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ مَالُ الزَّكَاةِ وَغَيْرُهُ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَادِمٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَخَادِمٍ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى الْمِائَتَيْنِ دُونَ الْخَادِمِ خِلَافًا لِزُفَرَ

صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ تَأَمَّلْ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ أَصْلِ الْإِشْكَالِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِأَنَّ مَا غَصَبَهُ السُّلْطَانُ وَخَلَطَهُ بِمَالِهِ إنْ كَانَ أَصْحَابُهُ مَعْلُومِينَ فَلَا كَلَامَ فِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ لَهُمْ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ قَبْلَ أَدَاءِ ضَمَانِهِ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ أَيْ لَا هُمْ، وَلَا وَرَثَتُهُمْ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ بِالْخَلْطِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِقَدْرِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015