مَخْرَجَ الشُّرُوطِ، وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَخْذِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَيْضًا لَيْسَ الْجَوَازُ فِي الْكَفَّارَةِ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا التَّمْكِينُ الشَّامِلُ لِلتَّمْلِيكِ وَالْإِبَاحَةِ، وَالْمَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْأُصُولِ مَا يُتَمَوَّلُ وَيُدَّخَرُ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالْأَعْيَانِ فَخَرَجَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ قَالَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ: الزَّكَاةُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِتَمْلِيكِ عَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَوْ أَسْكَنَ الْفَقِيرَ دَارِهِ سَنَةً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ. اهـ.
وَهَذَا عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ فَهُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْعَيْنِ، وَقُيِّدَ بِالتَّمْلِيكِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاحَةِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ عَالَ يَتِيمًا فَجَعَلَ يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ وَجَعَلَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَالْكِسْوَةُ تَجُوزُ لِوُجُودِ رُكْنِهِ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ إنْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَيْهِ بِيَدِهِ يَجُوزُ أَيْضًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ، وَيَأْكُلْ الْيَتِيمُ لَمْ يَجُزْ لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَبْضَ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي التَّبَرُّعَاتِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْفَقِيرِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذَكَرَ عَنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ، وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَصْرِفِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا، فَإِنَّهُ يَقْبِضُ عَنْهُ وَصِيُّهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ مَنْ يَعُولُهُ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ الْمُلْتَقِطُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا فَقَبَضَ مَنْ ذَكَرَ، وَكَذَا قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْقِلَ الْقَبْضَ بِأَنْ لَا يَرْمِيَ بِهِ، وَلَا يُخْدَعَ عَنْهُ وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ يُجْزِئُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى غَيْرِ الْحُرِّ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ الْمَصْرِفِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَإِلَى فُرُوعِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَإِلَى زَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا وَإِلَى مُكَاتَبِهِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الدَّفْعَ إلَى كُلِّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِأَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ جَائِزٌ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ يَعُولُ أُخْتَهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ عَمَّهُ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الزَّكَاةَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي عَلَيْهِ النَّفَقَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِصِفَةِ الْقُرْبَةِ يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ فَرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ لِزَمَانَتِهِ إنْ لَمْ يُحْتَسَبْ مِنْ نَفَقَتِهِمْ جَازَ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَسَبُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا أَدَاءُ الْوَاجِبِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ اهـ.
وَقَوْلُهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - بَيَانٌ لِشَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ النِّيَّةُ، وَهِيَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لِلْمَقَاصِدِ
(قَوْلُهُ شَرْطُ وُجُوبِهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ) أَيْ شَرْطُ افْتِرَاضِهَا؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ قَطْعِيَّةٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ جَاحِدِهَا وَدَلِيلُهُ الْقُرْآنُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ رَدَّهُ فِي الْغَايَةِ بِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً، وَالسُّنَّةُ الْوَارِدَةُ أَخْبَارُ آحَادٍ صِحَاحٌ، وَبِهَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ دُونَ الْفَرْضِ وَالْعَقْلُ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْقُولِ الْمَقَايِيسَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضِيَّةُ اهـ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُمْ فِي مِثْلِهِ يَجْعَلُونَهُ مُؤَكِّدًا لِلْقُرْآنِ الْقَطْعِيِّ لَا مُثْبِتًا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ كَإِطْلَاقِ الْوَاجِبِ عَلَى الْفَرْضِ، وَهُوَ إمَّا مَجَازٌ فِي الْعُرْفِ بِعَلَاقَةِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا تَثْبُتُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيٌّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اسْمُ الْوَاجِبِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ اسْمًا أَعَمَّ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ، وَقَدْ أَسَلَفْنَا شَيْئًا مِنْهُ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ وَخَرَجَ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ، فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِهِمَا كَمَا لَا صَلَاةَ عَلَيْهِمَا لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَأَمَّا إيجَابُ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ فِي مَالِهِمَا فَلِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ، وَأَمَّا إيجَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً مَحْضَةً لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْك مَا فِي كُلٍّ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنْ جَعْلَ بَعْضِ الْقُيُودِ شُرُوطًا فِي الْحُدُودِ غَيْرُ مَعْهُودٍ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْكَفَّارَةَ صَدَقَ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ لِلزَّكَاةِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ فَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِجَعْلِ أَلْ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ تَأَمَّلْ