الْقَضَاءُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْجَرِيحِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَهُ الْأَوَّلُ وَكَوْنُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ لِلضَّعْفِ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ هُوَ فِيمَا إذَا قَدَرَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ عَلَى حَالِهِ فَلَا إثْمَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِالْإِيمَاءِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى الْوَقْتُ، وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يُغَسَّلُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ نَفْلٍ مِنْ الْمَعْرَكَةِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِحَيَاتِهِ فَلَوْ أَخَّرَ، وَهُوَ يَعْقِلُ وَجَعَلَهُ قَيْدًا فِي الْكُلِّ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَنْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَطَأَهُ الْخَيْلُ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الْمَصْرَعِ لَيْسَ بِنَيْلِ رَاحَةٍ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ النَّقْلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ يَزِيدُهُ ضَعْفًا وَيُوجِبُ حُدُوثَ آلَامٍ لَمْ تَحْدُثْ لَوْلَا النَّقْلُ وَالْمَوْتُ يَحْصُلُ عَقِبَ تَرَادُفِ الْآلَامِ فَيَكُونُ النَّقْلُ مُشَارِكًا لِلْجِرَاحَةِ فِي إثَارَةِ الْمَوْتِ فَلَمْ يَمُتْ بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ يَقِينًا فَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ اهـ.
فَالِارْتِثَاثُ فِيهِ لَيْسَ لِلرَّاحَةِ بَلْ لِمَا ذَكَرَهُ، وَأَطْلَقَ فِي النَّقْلِ فَشَمَلَ مَا إذَا وَصَلَ إلَى بَيْتِهِ حَيًّا أَوْ مَاتَ عَلَى الْأَيْدِي كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَامَ مِنْ مَكَانِهِ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ فَهُوَ مُرْتَثٌّ وَأَطْلَقَ فِي الْوَصِيَّةِ فَشَمَلَتْ مَا كَانَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَبِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا فِيمَا إذَا كَانَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا مِنْ أَمْرِ الْأَحْيَاءِ فَقَدْ أَصَابَهُ مَرَافِقُ الْحَيَاةِ فَنَقَصَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ مِنْ أُمُورِ الْمَوْتَى وَصَنِيعُ مَنْ أَيِسَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُوصِي بِمَا يُكَفَّنُ بِهِ وَيُخَلِّصُ رَقَبَتَهُ وَيُبَرِّدُ جِلْدَتَهُ مِنْ النَّارِ وَيَدَّخِرُ لِنَفْسِهِ ذَخِيرَةَ الْآخِرَةِ كَمَا فِي وَصِيَّةِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا بَلَغَهُ سَلَامَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى سَلَامَتِهِ الْآنَ طَابَتْ نَفْسِي لِلْمَوْتِ أَقْرِئْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي السَّلَامَ وَأَقْرِئْ الْأَنْصَارَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمَلَ الْوَصِيَّةَ بِكَلَامٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاسْتَثْنَى فِي الْخَانِيَّةِ الْوَصِيَّةَ بِكَلِمَتَيْنِ
وَقَالُوا إذَا تَكَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا كَانَ مُرْتَثًّا وَإِلَّا فَلَا وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى كَلَامٍ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْوَصِيَّةِ فَطَالَ غُسِّلَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ فَإِذَا طَالَتْ أَشْبَهَتْ أُمُورَ الدُّنْيَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِنْ الِارْتِثَاثِ مَا إذَا أَوَاهُ فُسْطَاطٌ أَوْ خَيْمَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يَعْنِي، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّقْلِ مِنْ الْمَعْرَكَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا اهـ. .
(قَوْلُهُ أَوْ قُتِلَ فِي الْمِصْرِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا) أَيْ مَظْلُومًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخَفَّ أَثَرُ الظُّلْمِ قُيِّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عُمْرَانٌ لَا تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَلَا دِيَةٌ فَلَا يُغَسَّلُ لَوْ وُجِدَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَالْمُرَادُ بِالْمِصْرِ الْعُمْرَانُ وَمَا بِقُرْبِهِ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُلِمَ ذَلِكَ بِأَنْ وُجِدَ مَذْبُوحًا، فَإِنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ فَهُوَ شَهِيدٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَلَا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ فَقَوْلُهُ ظُلْمًا دَاخِلٌ تَحْتَ النَّفْيِ يَعْنِي لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا بِحَدِيدَةٍ فَكَانَ فِيهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ثَانِيهمَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مَظْلُومًا بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مَظْلُومًا، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ فَقَدْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ مَظْلُومًا فَلَا يَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُخِلًّا بِشَيْءٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ قُتِلَ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ وَعُلِمَ قَاتِلُهُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا سَوَاءً كَانَ بِالْمُثْقِلِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ، وَمِنْ قُتِلَ بِالْمُحَدَّدِ، وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي التَّعْلِيلِ أَوْلَى مِمَّا قَدَّمْنَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ النَّقْلَ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَزَايُدُ الْآلَامِ وَإِنْ حَدَثَ فَهُوَ نَاشِئٌ مِنْ الْجِرَاحَةِ فَلَا تَنْقُصُ بِهِ الشَّهَادَةُ إنَّمَا تَنْقُصُ بِحُصُولِ الرِّفْقِ وَالرَّاحَةِ.