وَغَيْرُهُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيرُهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْإِثْمِ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَزِمَ تَعْمِيمُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ الثَّابِتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ سَاهِيًا وَتَكَلَّمَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ حُجَّةً لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِي وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَا يُفْسِدُهَا فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا مُبَاحًا فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أُجِيبَ بِجَوَازِ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَسَاقَ الْوَاقِعَةَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُضُورِهِ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا وَأَرَادَ مِنْ التَّكَلُّمِ التَّكَلُّمَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ عَطَسَ أَوْ تَجَشَّا فَحَصَلَ مِنْهُ كَلَامٌ لَا تَفْسُدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَدَخَلَ فِي التَّكَلُّمِ الْمَذْكُورِ قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يُجْزِهِ وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ فَسَدَتْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَشْبَهَ التَّسْبِيحَ جَازَ.
(قَوْلُهُ وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا) أَفْرَدَهُ وَإِنْ دَخَلَ فِي التَّكَلُّمِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُفْسِدُهَا بِالدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا بِالتَّكَلُّمِ وَالدُّعَاءِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا هُوَ مَا أَمْكَنَ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَاللَّهُمَّ أَطْعِمْنِي أَوْ اقْضِ دَيْنِي وَارْزُقْنِي فُلَانَةَ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَا اسْتَحَالَ طَلَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِنَا مِثْلَ الْعَافِيَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرِّزْقِ سَوَاءٌ كَانَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَوْ لِأَخِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَلْ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إنَّ أَنْصَافَ الْكَلِمَةِ مِثْلُ كُلِّ الْكَلِمَةِ تُفْسِدُ صَلَاتَهُ ثُمَّ ذَكَرَ ضَابِطًا لِلدُّعَاءِ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا فَقَالَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا دَعَا بِمَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْمَأْثُورِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْمَأْثُورِ وَلَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ لَا تَفْسُدُ اهـ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَمِّي أَوْ خَالِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْتَظِمٌ مِنْ حُرُوفٍ تَقْدِيرًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا) .
أَقُولُ: فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا فَإِنَّ رَاوِيَ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ
وَقَدْ «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ كَانَ ثَابِتًا حِينَ قَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قُلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى بِنَا أَيْ صَلَّى بِأَصْحَابِنَا وَلَا وَجْهَ لِلْحَدِيثِ إلَّا هَذَا لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَاسْمُهُ مَشْهُورٌ شَهِدَ بَدْرًا وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ يَظْهَرُ لَك الْجَوَابُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الرِّوَايَةِ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ غَيْرِ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ صَلَاتَنَا» إلَخْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ قَالَ «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ» إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَأَظُنُّ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ بِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ وَدَخَلَ فِي التَّكَلُّمِ الْمَذْكُورِ قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَلَى الْمُبْدَلِ مِنْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ غَيْرَ الْمُبْدَلِ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّرْحِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَيْنِيُّ أَنَّهُ قُيِّدَ فِي الدُّعَاءِ فَقَطْ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِاشْتِمَالِ الدُّعَاءِ عَلَى مَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا وَمَا لَا يُشْبِهُهُ بِخِلَافِ التَّكَلُّمِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ كَلَامَنَا كَالْمُهْمَلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ قَيْدًا فِيهِ يُخْرِجُهُ فَتَدَبَّرْ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ الْغُنَيْمِيُّ بِمَا قَدَّمَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّكَلُّمِ النُّطْقُ بِالْحُرُوفِ سُمِّيَ كَلَامًا أَوْ لَا فَكَأَنَّهُ نَسِيَ ذَلِكَ وَنَسِيَ أَيْضًا اعْتِرَاضَهُ عَلَى أَخِيهِ الْفَهَّامَةِ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا أَيْ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالتَّكَلُّمِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَجْمَعِ بِالْكَلَامِ حَيْثُ قَالَ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْوِيُّ وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ اللُّغَوِيَّ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ اهـ.
اعْتِرَاضُهُ فَأَنْتَ تَرَاهُ اسْتَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْكَلَامُ اللُّغَوِيُّ وَحِينَئِذٍ فَدَعْوَاهُ أَنَّ الْمُهْمَلَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُشْبِهٌ لِكَلَامِهِمْ لُغَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَوْتٌ فِيهِ حُرُوفٌ وَقَوْلُهُ لَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ قَيْدًا فِيهِ يُخْرِجُهُ قَدْ عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ أَنَّ كَوْنَهُ قَيْدًا فِيهِ يُدْخِلُهُ اهـ.
كَذَا فِي حَوَاشِي شَرْحِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى شَطْرِ كَلِمَةٍ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَبُحَ مَعْنَى الشَّطْرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ اهـ.
وَفِي زَلَّةِ الْقَارِئِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ كَلِمَةً فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ شَطْرَ كَلِمَةٍ فَرَجَعَ وَقَرَأَ الْأُولَى أَوْ رَكَعَ وَلَمْ يُتِمَّهَا إنْ كَانَ شَطْرُ كَلِمَةٍ لَوْ أَتَمَّهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا تَفْسُدْ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَتَمَّهَا تَفْسُدْ وَلِلشَّطْرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.