وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا اُشْتُهِرَ كَوْنُهُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْعَمَلِ عَمَلُ الْجَوَارِحِ فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ يَخْرُجُ عَنْهُ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَتَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَعُمُّ عَمَلَ الْقَلْبِ وَعَمَلَ الْجَوَارِحِ فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ مَانِعٍ إذْ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الِاعْتِقَادِيَّاتِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الدِّينِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي، وَلَا تَدْخُلُ الِاعْتِقَادَاتُ إذْ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ فَالتَّعَلُّقُ فِي النِّيَّةِ وَنَحْوِهَا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ وَالتَّعَلُّقُ فِي الِاعْتِقَادَاتِ بِحُصُولِ الْعِلْمِ وَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ فِعْلِ الْقَلْبِ كَقَصْدِهِ إلَى الشَّيْءِ أَوْ تَمَنِّيه حُصُولَ الشَّيْءِ وَزَوَالَهُ وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ الْقَائِمِ بِالْقَلْبِ الَّذِي هُوَ تَجَلٍّ وَانْكِشَافٌ يَحْصُلُ عَقِبَ قِيَامِ الدَّلِيلِ لَا فِعْلٌ لِلنَّفْسِ هُوَ أَنَّ الْقَصْدَ نَوْعٌ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالتَّصْدِيقَ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالْوُجْدَانُ كَافٍ فِي الْفَرْقِ نَعَمْ يُعْتَبَرُ فِي الْإِيمَانِ مَعَ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ التَّجَلِّي وَالِانْكِشَافُ إذْعَانٌ وَاسْتِسْلَامٌ بِالْقَلْبِ لِقَبُولِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَتَسْمِيَةُ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِقَادُ فِعْلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَقَدْ عَدَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذِكْرِ الْعَمَلِيَّةِ إلَى الْفَرْعِيَّةِ، فَلَمْ يَتَوَجَّهْ الْإِيرَادُ أَصْلًا، وَقَوْلُهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ أَيْ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَبِهِ خَرَجَ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْأَحْكَامِ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ بِهَا لَمْ يَخْرُجْ عِلْمُ الْمُقَلَّدِ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِالْأَحْكَامِ الْحَاصِلَةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ حَاصِلًا عَنْ الْأَدِلَّةِ، وَمَعْنَى حُصُولِ الْعِلْمِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي الدَّلِيلِ فَيَعْلَمُ مِنْهُ الْحُكْمَ، فَعِلْمُ الْمُقَلِّدِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَنِدِ إلَى عِلْمِهِ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلِ الْحُكْمِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا لِلْبَيَانِ لَا لِلِاحْتِرَازِ إذْ لَا اكْتِسَابَ إلَّا مِنْ دَلِيلٍ اهـ.
وَاخْتُلِفَ فِي قَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ، فَذَكَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرَى فِي الْآخِرَةِ تَارَةً يُنْظَرُ فِيهِ فِي نَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ خَارِجًا عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ بِقَوْلِهِ: الْعَمَلِيَّةُ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي تَبَعًا لِلْمَحَلِّيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ ثُبُوتُ الْوُجُودِ لِلْجَنَّةِ لَكِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ كَيْفِيَّةٌ لِلْجَنَّةِ وَالْجَنَّةُ لَيْسَتْ عَمَلًا وَأَيْضًا الْمُرَادُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ الْوُجُودِ وَنَحْوِهِ وَقِسْ الْبَاقِيَ وَتَسْمِيَةُ هَذَا الْحُكْمِ اعْتِقَادِيًّا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ النِّسْبَةَ فِي قَوْلِنَا اللَّهُ تَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ لَيْسَ مُتَعَلَّقُهَا اعْتِقَادًا بَلْ مُتَعَلِّقُهَا الرُّؤْيَةُ الَّتِي هِيَ الْمَحْمُولُ، وَلَيْسَتْ اعْتِقَادًا وَكَذَا الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ وَالْإِيمَانُ وَاجِبٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ أَمْرًا الْغَرَضُ اعْتِقَادُهُ فَمَعْنَى كَوْنِهِ اعْتِقَادِيًّا أَنَّهُ أَمْرٌ يُعْتَقَدُ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى مَا قَرَّرْنَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي حَدِّ الْفِقْهِ، وَلَا يَكُونُ خَارِجًا بِالِاعْتِقَادِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ وَتَارَةً يُنْظَرُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِكَيْفِيَّتِهِ، فَإِنَّ اعْتِقَادًا أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ مَثَلًا لَهُ كَيْفِيَّةٌ هِيَ الْوُجُوبُ وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ هُوَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ لِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَالْعِلْمُ بِثُبُوتِ وُجُوبِ اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ اعْتِقَادِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ اعْتِقَادٍ، فَإِنَّهُ عِلْمٌ بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ، وَذَلِكَ الثُّبُوتُ حُكْمٌ شَرْعِيُّ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْعِ وَذَلِكَ الْوُجُوبُ كَيْفِيَّةٌ لِاعْتِقَادٍ، وَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَمَلِ فِي قَوْلِهِمْ الْعَمَلِيَّةُ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ وَلَوْ بِمُسَامَحَةٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَيْ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي دَخَلَ فِي الْفِقْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ مِثْلِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَخَرَجَ عَنْهُ نَفْسُ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ إذْ لَيْسَتْ عِلْمًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ إذْ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُ تِلْكَ الِاعْتِقَادَاتِ مُتَعَلِّقَةً بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَعَلَى كُلٍّ يَكُونُ دَاخِلًا غَيْرَ خَارِجٍ كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ عَمَلًا وَفِعْلًا حَقِيقَةً خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ مِثْلِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ أَيْضًا إذْ لَيْسَ الْحُكْمُ فِيهَا حِينَئِذٍ عَمَلِيًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ إذْ صَاحِبُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ، وَهُوَ الِاعْتِقَادُ لَيْسَ عَمَلًا وَلَا يَخْرُجُ نَحْوُ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لِظُهُورِ أَنَّ صَاحِبَ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ فِعْلٌ وَعَمَلٌ لَكِنْ يُنَافِي هَذَا الْوَجْهَ مَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ نَحْوُ تَحْرِيمِ ظَنِّ السُّوءِ بِالْغَيْرِ بِلَا مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِهِ مِنْ الْفِقْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَعَ أَنَّ الظَّنَّ لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ اهـ مُلَخَّصًا مَعَ بَعْضِ زِيَادَاتٍ مُنَاسِبَةٍ لِلْمَقَامِ فَلْيُمْعِنْ النَّظَرَ ذَوُو الْأَفْهَامِ.
وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا عَدَمُ خُرُوجِ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الضَّرُورِيَّاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْعِنَايَةِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ إخْرَاجُ أَكْثَرِ عِلْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ، فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَهُمْ لِتَلَقِّيهِمْ إيَّاهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِسًّا وَمِنْ الْمَعْلُومِ بَعْدَ هَذَا فَكَذَا مَا يُفْضِي إلَيْهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ النِّحْرِيرُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ سَابِقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ