فِيهِمَا وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ الْوَافِي حَيْثُ قَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَى آخِرِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُنَّ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ لَا فِي النَّوَافِلِ بِخِلَافِ الْمَنْعِ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْكُلَّ وَأَرَادَ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا وَجَبَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، أَمَّا إذَا تَلَاهَا فِيهَا أَوْ حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ فِيهَا فَأَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُصْبِحُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إذْ الْوُجُوبُ بِالتِّلَاوَةِ وَالْحُضُورِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ التَّأْخِيرُ فِيهِمَا وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ إذَا حَضَرَتْ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُؤَخِّرَهَا بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ وَظَاهِرُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فَأَخَّرَهَا حَتَّى صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا يُعِيدُ وَلَوْ سَجَدَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ يُنْظَرُ إنْ قَرَأَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ تَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَتَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهِ وَإِنْ قَرَأَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَجَدَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ وَيُعِيدُ. اهـ.
وَسَجْدَةُ السَّهْوِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الصَّلَاةِ فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْقَضَاءِ، وَقَدْ وَجَبَ ذَلِكَ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الطُّلُوعِ وَاخْتَارَ الْفَضْلِيُّ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ إلَى قُرْصِ الشَّمْسِ فِي الطُّلُوعِ فَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ حَلَّتْ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِتَفْسِيرِ التَّغَيُّرِ الْمُصَحَّحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَرَادَ بِالْغُرُوبِ التَّغَيُّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ وَعِنْدَ احْمِرَارِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ تَغِيبَ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْرَجَ مِنْ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ الْفَوَائِتَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ كَوْنَهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ النَّهْيِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْمُقَارَنَةِ فَلَمَّا لَمْ تَثْبُتْ فَهُوَ مُعَارَضٌ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَيُقَدَّمُ حَدِيثُ عُقْبَةَ؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى طَرِيقِهِمْ فِي كَوْنِ الْخَاصِّ مُخَصَّصًا كَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ خَاصٌّ فِي الصَّلَاةِ عَامٌّ فِي الْأَوْقَاتِ، فَإِنْ وَجَبَ تَخْصِيصُ عُمُومِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ وَجَبَ تَخْصِيصُ حَدِيثِ عُقْبَةَ عُمُومَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ فِي الْوَقْتِ وَتَخْصِيصُ عُمُومِ الْوَقْتِ هُوَ إخْرَاجُهُ الْأَوْقَاتَ الثَّلَاثَةَ مِنْ عُمُومِ وَقْتِ التَّذَكُّرِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ
كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَ الْآخَرِ هُوَ إخْرَاجُ الْفَوَائِتِ مِنْ عُمُومِ مَنْعِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَارَضَانِ فِي الْفَائِتَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ إذْ تَخْصِيصُ حَدِيثِ عُقْبَةَ يَقْتَضِي إخْرَاجَهَا عَنْ الْحِلِّ فِي الثَّلَاثَةِ وَتَخْصِيصُ حَدِيثِ التَّذَكُّرِ لِلْفَائِتَةِ مِنْ عُمُومِ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي حِلَّهَا فِيهَا، وَيَكُونُ إخْرَاجُ حَدِيثِ عُقْبَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَأَخْرَجَ أَيْضًا النَّوَافِلَ بِمَكَّةَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَالْوَقْتِ فَيَتَعَارَضُ عُمُومُهُمَا فِي الصَّلَاةِ وَيُقَدَّمُ حَدِيثُ عُقْبَةَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْوَقْتِ إذْ الْخَاصُّ يُعَارِضُ الْعَامَّ عِنْدَنَا وَعَلَى أُصُولِهِمْ يَجِبُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ حَدِيثَ عُقْبَةَ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ فِيهَا وَأَخْرَجَ أَبُو يُوسُفَ مِنْهُ النَّفَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَجَوَابُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَنَا تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي فَيَكُونُ حَاصِلُهُ نَهْيًا مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُقْبَةَ الْمُعَارِضُ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَبَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِهِمَا حُكْمًا وَحَادِثَةً وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِذَا قَالَ فِي الْحَاوِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا عَزَاهُ لَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّ حَدِيثَ أَبِي يُوسُفَ مُنْقَطِعٌ أَوْ مَعْنَاهُ وَلَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَجَبَ تَخْصِيصُ عُمُومِ الصَّلَاةِ) تَخْصِيصٌ الْأَوَّلُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْأَصْلُ تَخْصِيصُهُ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَالضَّمِيرُ لِحَدِيثِ التَّذَكُّرِ وَتَخْصِيصٌ الثَّانِي مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ خُصُوصًا وَعُمُومًا، فَإِنْ وَجَبَ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا لِعُمُومِ الْآخَرِ وَجَبَ فِي الثَّانِي كَذَلِكَ بَقِيَ أَنَّ كَوْنَ حَدِيثِ التَّذَكُّرِ عَامًّا فِيهِ خَفَاءٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَيُمْكِنُ اسْتِفَادَةُ الْعُمُومِ مِنْ إضَافَةِ الظَّرْفِ إلَى مَا بَعْدَهُ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ. (قَوْلُهُ: وَأَخْرَجَ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَثْبُتْ؛ لِأَنَّهَا شَاذَّةٌ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ وَلَا بِمَكَّةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا خَطَأً} [النساء: 92] أَيْ وَلَا خَطَأَ. اهـ.
زَادَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ النَّهْيِ. اهـ.