الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْعَيْنُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا لَمْ تَصْلُحْ ثَمَنًا كَانَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بَاطِلٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّمَنِ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ فَلْسًا فَغَلَا أَوْ رَخُصَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْأُجْرَةُ الْفَلْسُ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَسَدَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ. اهـ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَيَوَانًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ فَتَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُضَافَةً أَوْ تَقَدَّمَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِوَقْتِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بِضَرْبِ الْمُدَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَ إلَى مُدَّةٍ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا عَادَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَصَارَ كَالثَّابِتِ بَعْدُ فَلَا تَجُوزُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْقَاضِي أَبُو عِصْمَةَ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهَا وَمِنْهُمْ الْخَصَّافُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَجَّرْتُك دَابَّتِي غَدًا بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ أَجَّرَهَا الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ مِنْ غَيْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَجَاءَ الْغَدُ وَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ الثَّانِيَةَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فِي رِوَايَةٍ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ الثَّانِيَةَ وَبِهِ أَخَذَ نُصَيْرٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَسْتَوْفِي الْأَوَّلُ مُدَّتَهُ وَالثَّانِي مَا بَقِيَ لَهُ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَجَّرَ دَارِهِ إجَارَةً مُضَافَةً بِأَنْ قَالَ أَجَّرْتُك دَارِي مُدَّةَ شَوَّالٍ وَهُمَا فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ آخَرَ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجَّرْتُك دَارِي غَدًا فَلِلْمُؤَجِّرِ بَيْعُهَا الْيَوْمَ وَتُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَزِدْ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ) يَعْنِي لَا يُزَادُ عَلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ
خَوْفًا مِنْ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهَا مِلْكُهُ
إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْحِيلَةَ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا كُلَّ عَقْدٍ عَلَى سَنَةٍ وَيَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اسْتَأْجَرَ وَقْفَ كَذَا كَذَا سَنَةً فِي كَذَا كَذَا عَقْدًا وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْحِيلَةَ فِيهِ أَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُجِيزَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى مُدَّةٍ فَلَوْ نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى مُدَّةٍ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ يُرَاعَى، كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ يَجِبُ مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ وَلَا يُفْتَى بِجَوَازِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَحِينَئِذٍ تُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ شَيْئًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أُجَوِّزُهَا فِي الثَّلَاثَةِ وَلَا أُجَوِّزُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ كَانَ يَقُولُ يُفْتَى فِي الضِّيَاعِ بِالْجَوَازِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ وَفِي غَيْرِ الضِّيَاعِ يُفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْجَوَازِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَوَاضِعِ.
وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَقِيلَ تَصِحُّ وَتُفْسَخُ ذَكَرَهُ النَّسَفِيُّ وَإِجَارَةُ الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَلَوْ أَجَّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمَامُ الْأُجْرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي قَاضِي خان، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْوَقْفَ فَرَخُصَتْ الْأُجْرَةُ لَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ وَإِنْ زَادَتْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَيُحَدَّدُ عَلَى مَا زَادَ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً لَمْ تُحْصَدْ، فَمِنْ وَقْتِ الزِّيَادَةِ تَجِبُ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ هَذَا إذَا زَادَتْ عِنْدَ الْكُلِّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَمَّا فِي الْأَمْلَاكِ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِرُخْصِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَا بِزِيَادَتِهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي بَابِ مَنْ يَجِبُ الْأَجْرُ الْجَارِي سُئِلَ عَمَّنْ آجَرَ مَنْزِلًا لِرَجُلٍ وَالْمَنْزِلُ وَقْفٌ عَلَى الْآخَرِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ فَأَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي عِمَارَةِ الْمَنْزِلِ بِأَمْرِ الْمُؤَجِّرِ قَالَ إنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةٌ عَلَى الْوَقْفِ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْوَقْفِ كَانَ مُتَطَوِّعًا وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. اهـ.
وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي وَاقِفٍ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ أَنْ لَا يُؤَاجِرَ وَقْفَهُ مِنْ مَتْجَرٍ وَلَا مِنْ ظَالِمٍ وَلَا مِنْ حَاكِمٍ فَأَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ مِنْهُمْ وَعَجَّلُوا الْأُجْرَةَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا مَنَعَ خَوْفًا عَلَى الْأُجْرَةِ مِنْ الضَّيَاعِ وَعَدَمِ حُصُولِ النَّفْعِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لَا يَجُوزُ؟ فَأُجِيبَ بِالْجَوَازِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْوَجِيزِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مُدَّةً وَإِنْ كَانَ نَفْعُ الْفُقَرَاءِ فِي غَيْرِهِ يُخَالِفُ