إلَى أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ بِإِقَامَةِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ الِانْعِقَادِ لَا فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمَحَالُّ شُرُوطٌ وَمَحَلُّ الْعَقْدِ هُنَا الْمَنَافِعُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ وَالْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ مَحَلًّا فَجُعِلَتْ الدَّارُ مَحَلًّا بِإِقَامَتِهَا مَقَامَ الْمَنَافِعِ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ هُوَ عَمَلُ الْعِلَّةِ وَنَفَاذُهَا فِي الْمَحَلِّ سَاعَةً فَسَاعَةً لَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كُلَّ سَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَشَايِخِنَا يُوهِمُ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ تَأَخَّرَ مِنْ زَمَانِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً لِأَنَّ الْحُكْمَ قَابِلٌ لِلتَّرَاخِي كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ.
ثُمَّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عِلَّةٌ اسْمًا لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِكَوْنِهِ مُؤَثِّرٌ إلَّا حُكْمًا لِتَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْعَيْنِ وَإِنَّمَا الْمَمْلُوكُ الْمَنَافِعُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْعَيْنِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ ثِيَابًا لِيَبْسُطَهَا وَلَا يَقْعُدَ عَلَيْهَا وَلَا يَنَامَ أَوْ دَابَّةً لِيَرْبِطَهَا فِي فِنَائِهِ وَيَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ لِيَجْعَلَهَا جَنِيبَةً بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ آنِيَةً يَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ يَتَجَمَّلُ بِهَا وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا أَوْ دَارًا لَا يَسْكُنُهَا لَكِنْ يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهَا لَهُ مِلْكًا أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ دَرَاهِمَ يَضَعُهَا فَالْإِجَارَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدَةٌ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ الثَّالِثِ فِي الدَّوَابِّ وَعَلَّلَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيَتَجَمَّلَ بِهَا كَانَتْ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُخَالِفُ الْإِجَارَةَ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودَةً وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الْقَمِيصَ وَالْكُمَّ مِنْهُ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ مِنْهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَيْعِ عَيْنٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ عَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَبِطَعَامِهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَلْفِهَا لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الظِّئْرِ كَمَا سَيَأْتِي كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ غُلَامًا فَقَالَ صَاحِبُ الْغُلَامِ بِعِشْرِينَ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بِعَشَرَةٍ فَافْتَرَقُوا عَلَى ذَلِكَ قَالَ هُوَ بِعِشْرِينَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الَّذِي آجَرَهُ بِعَشَرَةٍ
(قَوْلُهُ وَمَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً) أَيْ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمُرَادُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْمُقَايَضَةِ فَتَصْلُحُ أُجْرَةً وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ انْصَرَفَتْ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ مُخْتَلِفَةً فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةً مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَقْدًا مِنْهَا فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ إذَا كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ وَثَبَتَ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ثِيَابًا أَوْ عُرُوضًا فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ وَالصِّفَةِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا مِنْ جِهَةِ السَّلَمِ فَكَانَ لِثُبُوتِهِ أَصْلٌ وَاحِدٌ هُوَ السَّلَمُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى شَرَائِطِ السَّلَمِ بِخِلَافِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ لِأَنَّ لِثُبُوتِهِمَا أَصْلَيْنِ الْقَرْضَ وَالسَّلَمَ وَالْأَجَلُ فِي الْقَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ كَالسَّلَمِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ جَازَ كَالْقَرْضِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا فَإِنْ أَشَارَ فَهِيَ كَافِيَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَالْأَجَلِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَوَانًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ.
وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّ هَذَا الضَّابِطَ لَا يَنْعَكِسُ كَيْلِيًّا فَلَا يُقَالُ مَا لَا يَجُوزُ أُجْرَةً لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةً لِلْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَاسْتِئْجَارِ سُكْنَى الدَّارِ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا لَا يَجُوزُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلسُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَكَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يَحْرُمُ لِلنِّسَاءِ
(قَوْلُهُ وَالْمَنْفَعَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا كَانَتْ فَاسِدَةً لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهَا بَيْعَ عَيْنٍ حَتَّى لَوْ وَقَعَتْ عَلَى نَفْسِ الْعَيْنِ كَانَتْ بَاطِلَةً لَا فَاسِدَةً بِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَى إتْلَافِ الْأَعْيَانِ قَصْدًا لَا تَنْعَقِدُ فَتَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ
(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُمَا مَكَانُ الدَّارِ وَمَكَانُ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَيُسَلِّمُهُ عِنْدَ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ وَثَبَتَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ فَإِنَّ الْأَجْرَ صَارَ مُؤَجَّلًا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ اهـ.
يَعْنِي بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا تَأَمَّلْ