(قَوْلُهُ وَجَعَلْته لَك) لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَمَةُ لَك كَانَ هِبَةً وَلَوْ قَالَ هِيَ لَك حَلَالٌ لَا تَكُونُ هِبَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَك لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ جَعَلْته بِاسْمِك لَا يَكُونُ هِبَةً وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ غَرَسَ لِابْنِهِ كَرْمًا إنْ قَالَ جَعَلْته لِابْنِي تَكُونُ هِبَةً وَإِنْ قَالَ بِاسْمِ ابْنِي لَا تَكُونُ هِبَةً وَلَوْ قَالَ أَغْرِسُ بِاسْمِ ابْنِي فَالْأَمْرُ مُتَرَدِّدٌ وَهُوَ إلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ) لِأَنَّ الْعُمْرَى تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ فَتَثْبُتُ الْهِبَةُ وَيَبْطُلُ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ صَرِيحًا يَبْطُلُ شَرْطُهُ أَيْضًا لَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك وَحَيَاتَهُ أَوْ أَعْمَرْتُكَ دَارِي هَذِهِ حَيَاتَك أَوْ أَعْطَيْتهَا حَيَاتَك أَوْ وَهَبْت هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك فَإِذَا مَتَّ فَهُوَ لِي أَوْ إذَا مِتُّ فَهُوَ لِوَرَثَتِي فَهَذَا تَمْلِيكٌ صَحِيحٌ وَشَرْطٌ بَاطِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ نَاوِيًا الْهِبَةَ) لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الدَّابَّةِ إرْكَابٌ وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي مَنَافِعِهَا لَا فِي عَيْنِهَا فَتَكُونُ عَارِيَّةً إلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحِبُهَا أَرَدْت الْهِبَةَ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ أَخَدَمْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ (قَوْلُهُ وَكَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ قَالَ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] وَيُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا ثَوْبًا إذَا مَلَّكَهُ لَا إذَا أَعَارَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا وَقَالَ أَلْبِسْ نَفْسَك فَفَعَلَ يَكُونُ هِبَةً وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَنْفِقْهَا تَكُونُ قَرْضًا. اهـ.
وَلَوْ قَالَ مَتَّعْتُك بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهِيَ هِبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ وَدَارِي لَك هِبَةٌ تَسْكُنُهَا) لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلِاسْمِ فَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يُسْكِنَهُ فَإِنْ شَاءَ قِبَلَ مَشُورَتَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ كَقَوْلِهِ هَذَا الطَّعَامُ لَك تَأْكُلُهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَك تَلْبَسُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعُمْرَى كَالْهِبَةِ فَقَوْلُهُ هُنَا هِبَةٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ قَالَ دَارِي لَك عُمْرَى تَسْكُنُهَا كَانَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ لَا هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةً) بِنَصَبِ هِبَةٍ فِيهِمَا عَلَى الْحَالِ وَيُحْتَمَلُ انْتِصَابُهُمَا عَلَى التَّمْيِيزِ لِمَا فِي قَوْلِهِ دَارِي لَك مِنْ الْإِبْهَامِ يَعْنِي أَنَّهَا عَارِيَّةٌ فِيهِمَا لِأَنَّ السُّكْنَى مُحْكَمٌ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَ عَارِيَّةً قَدَّمَ لَفْظَ الْهِبَةِ أَوْ أَخَّرَهُ وَلَوْ ذَكَرَ بَدَلَ سُكْنَى عَارِيَّةً كَانَ عَارِيَّةً بِالْأَوْلَى وَلَوْ قَالَ هِيَ لَك هِبَةُ إجَارَةٍ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ إجَارَةُ هِبَةٍ فَهِيَ إجَارَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَيَمْلِكُ كُلٌّ فَسْخَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ سَكَنَ وَجَبَ الْأَجْرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
(قَوْلُهُ وَقَبُولٍ) أَيْ صَحَّتْ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمَا فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ لِمَا ذَكَرُوا فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْقَبُولُ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ وَمِنْ الثَّانِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ قَالَ قَدْ وَهَبْت جَارِيَتِي هَذِهِ لِأَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ تَكُونُ لَهُ وَكَانَ أَخْذُهُ قَبُولًا وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ الْقَبُولُ مُشْكِلٌ وَفِيهِ رَجُلٌ دَفَعَ ثَوْبَيْنِ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ أَيَّمَا شِئْت لَك وَالْآخَرُ لِابْنِك فُلَانٍ فَإِنْ بَيَّنَ الَّذِي لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تَرْتَفِعْ
(قَوْلُهُ وَقَبْضٍ بِلَا إذْنٍ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِهِ) يَعْنِي وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ صَرِيحًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِيهَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَا لِلصِّحَّةِ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَبْضِ وَلِهَذَا قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو نَصْرٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَا غَرْسَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ جَعَلْته لِابْنِي فُلَانٍ يَكُونُ هِبَةَ لِأَنَّ الْجَعْلَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ وَإِنْ قَالَ اغْرِسْهُ بِاسْمِ ابْنِي لَا يَكُونُ هِبَةَ وَإِنْ قَالَ جَعَلْته بِاسْمِ ابْنِي يَكُونُ هِبَةً لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ وَالْهِبَةَ. اهـ.
وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمَنْحِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَقْرَبُ لِعُرْفِ النَّاسِ. اهـ.
وَرَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا نَصُّهُ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ فَغَرَسَ كَرْمًا لَهُ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ قَالَ اغْرِسْ هَذَا الْكَرْمَ بِاسْمِ ابْنِي فُلَانٍ أَوْ قَالَ جَعَلْته لِابْنِي فُلَانٍ هِبَةً لِأَنَّ الْجَعْلَ إثْبَاتٌ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا وَإِنْ قَالَ جَعَلْته بِاسْمِ ابْنِي فَالْأَمْرُ مُتَرَدِّدٌ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى
(قَوْلُهُ وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ الْقَبُولُ مُشْكِلٌ) الضَّمِيرُ فِي أَنَّهَا لِلْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَبُولِ الْقَبُولَ صَرِيحًا وَأَنَّ الْقَبُولَ فِعْلًا يَكْفِي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَئِذٍ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ وَهَبْت عَبْدِي هَذَا مِنْك وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ فَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت جَازَتْ الْهِبَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَذَهَبَ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت جَازَتْ الْهِبَةُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ نَأْخُذُ وَفِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ قَالَ قَبَضْته قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَازَتْ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ قَبِلْت وَيَصِيرُ قَابِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَبْضِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْقَبْضُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَحُكْمِيٌّ وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ وَقَدْ أَشَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْقَبْضِ الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الْقَبْضُ بِطَرِيقِ التَّخْلِيَةِ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّخْلِيَةُ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ وَهَذَا