وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ لَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ كَالتَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ وَلَهُ أَنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ وَلَهَا يَسْتَحْضِرُهُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْخُصُومَةِ فَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا يَتَخَيَّرُ الْآخَرُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا هُنَالِكَ وَمَرِيدُهُ كَهُوَ لِتَحْقِيقِ الضَّرُورَةِ وَالْمُخَدَّرَةُ لَوْ حَضَرَتْ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ لَا نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمُذْهَبِ وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالْمُخَدَّرَةِ وَالْمُبَرَّزَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا اخْتَارُوهُ مِنْ ذَلِكَ اهـ.

وَالْخُصُومَةُ الْجَدَلُ خَاصَمَهُ مُخَاصَمَةً وَخُصُومَةً فَخَصَمَهُ يَخْصِمُهُ غَلَبَهُ وَهُوَ شَاذٌّ لِأَنَّ فَاعَلْتُهُ فَفَعَلْتُهُ يَرِدُ يَفْعَلُ مِنْهُ إلَى الضَّمِّ إنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنُهُ حَرْفَ حَلْقٍ فَإِنَّهُ بِالْفَتْحِ كَفَاخَرَهُ فَفَخَرَهُ وَأَمَّا الْمُعْتَلُّ كَوَجَدْتُ وَبِعْت فَيُرَدُّ إلَى الْكَسْرِ إلَّا ذَوَاتِ الْوَاوِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى الضَّمِّ كَرَاضَيْتُهُ فَرَضَوْتُهُ أَرْضُوهُ وَخَاوَفَنِي أَخُوَّفُهُ وَلَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُقَالُ نَازَعْتُهُ لِأَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِغَلَبَتِهِ وَاخْتَصَمُوا تَخَاصَمُوا وَالْخَصْمُ الْمُخَاصِمُ وَالْجَمْعُ الْخُصُومُ وَقَدْ يَكُونُ لِلْجَمْعِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْخَصْمُ الْمُخَاصِمُ وَالْجَمْعُ خُصَمَاءُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ هَذَا مَعْنَاهَا لُغَةً وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ الْجَوَابُ بِنَعَمْ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي وَفَسَّرَهَا فِي الْجَوْهَرَةِ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَوْ بِالْجَوَابِ الصَّرِيحِ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ لَهُ لَا عَلَيْهِ فَلَهُ إثْبَاتُ مَا لِلْمُوَكِّلِ فَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّفْعَ لَمْ تُسْمَعْ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تُخَصَّصُ بِتَخْصِيصِ الْمُوَكِّلِ وَتُعَمَّمُ بِتَعْمِيمِهِ وَالْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الْحُقُوقِ لِلْجِنْسِ فَشَمِلَ بَعْضًا مُعَيَّنًا وَجَمِيعَهَا وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ رَضِيَ ثُمَّ مَضَى يَوْمٌ فَقَالَ: لَا أَرْضَى لَهُ ذَلِكَ اهـ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا إلَيْهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْ الرِّضَا مَا لَمْ يَسْمَعْ الْقَاضِي الدَّعْوَى لِمَا فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا لَوْ ادَّعَى وَكِيلُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ أَتَى بِشُهُودٍ لِيُقِيمَهَا وَلَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْوَكِيلِ وَيُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَ مَعَ الْخَصْمِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ وَبِخُصُومَتِهِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُخَاصِمَ بِهِ وَالْمُخَاصِمَ فِيهِ جَازَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ يَحْدُثُ لَهُ وَالْخُصُومَةُ فِيهِ جَائِزٌ أَمْرُهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَكُلُّ حَقٍّ مَلَكَهُ الْمُوَكِّلُ أَمَّا النَّفَقَةُ فَمِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّ الْخُصُومَةِ لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهَا تَقَعُ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْخَصْمِ فَشَمَلَ الطَّالِبَ وَالْمَطْلُوبَ كَمَا شَمَلَهُمَا الْمُوَكِّلُ وَالشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَ الْمَرِيضَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى قَدَمَيْهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي مُدَّعِيًا كَانَ أَوْ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحُضُورِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَوْ ظَهْرِ إنْسَانٍ فَإِنْ زَادَ مَرَضُهُ بِذَلِكَ لَزِمَ تَوْكِيلُهُ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ قِيلَ: عَلَى الْخِلَافِ وَالصَّحِيحُ لُزُومُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ أَمَّا الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْحُضُورِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ اهـ.

وَقَيَّدَ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِأَنَّ مَا دُونَهَا كَالْحَاضِرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَالتَّوْكِيلُ مِنْهُمَا لَا يَلْزَمُ بِدُونِ رِضَا الْخَصْمِ بَلْ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي إنْ شِئْت جَوَابَ خَصْمِك فَاصْبِرْ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْعُذْرُ وَإِنْ لَمْ تَصْبِرْ فَسَبِيلُك الرِّضَا بِالتَّوْكِيلِ فَإِذَا رَضِيَ لَزِمَهُ بِرِضَاهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ.

وَهُوَ خَاصٌّ بِتَوْكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِرَادَةُ السَّفَرِ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلِهَا وَهُوَ إمَّا تَصْدِيقُ الْخَصْمِ بِهَا أَوْ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أُرِيدُ السَّفَرَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ وَفِي عُدَّتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَخْفَى هَيْئَةُ مَنْ يُسَافِرُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ قَالَ: أَخْرُجُ بِالْقَافِلَةِ الْفُلَانِيَّةِ سَأَلَهُمْ عَنْهُ كَمَا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ. اهـ.

وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَوْ قَالَ: إنِّي أُرِيدُ السَّفَرَ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا لَكِنْ يَكْفُلُ الْمَطْلُوبُ لِيَتَمَكَّنَ الطَّالِبُ مِنْ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْخَصْمُ فِي إرَادَتِهِ السَّفَرَ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ أَنَّك تُرِيدُ السَّفَرَ اهـ. وَأَمَّا.

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: يَعْنِي هَلْ تُرَدُّ الْوَكَالَةُ بِرَدِّ الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ، وَعِنْدَهُمَا لَا وَيُجْبَرُ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ لِلْفَتْوَى. اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015