لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ فَاعْتُبِرَ التَّسَبُّبُ وَفِي الْمُحِيطِ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَرَضِ وَعَلَيْهِمَا دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَاتَا بُدِئَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِالرُّجُوعِ فِي الْمَرَضِ دَيْنُ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِإِقْرَارِهِمَا فِي الْمَرَضِ اهـ.
وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ وَلِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي تَقْيِيدِهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَأَصْحَابِ الْفَتَاوَى فِي إطْلَاقِهِمْ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ بِالضَّمَانِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَفَرَّقَ فِي الْمُحِيطِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَقَالَ: شَهِدَا بِعَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهَا قَبَضَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ أَمْ لَا لِأَنَّ ضَمَانَ الرُّجُوعِ ضَمَانُ إتْلَافٍ مُقَدَّرٌ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِثْلِيًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَرَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَضْمَنُونَ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا عَلَيْهِ دَيْنًا فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِمَا مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُمَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْمَشْهُودِ بِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُعَادَلَةِ اهـ.
وَهَذَا قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَمِلَ أَيْضًا قَوْلُهُ مَا أَتْلَفَاهُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ وَخِنْزِيرَهُ لَكِنْ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِذَا شَهِدَ الذِّمِّيَّانِ لِذِمِّيٍّ بِمَالٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ وَقِيمَةَ الْخِنْزِيرِ وَلَا يَضْمَنَانِ الْخَمْرَ وَلَا قِيمَتَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَيَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْخَمْرِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ الشَّاهِدَانِ وَأَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَضْمَنَا قِيمَةَ الْخَمْرِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَضْمِينَ الشَّاهِدِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي رُجُوعِهِ لِمَا فِي تَلْقِيحِ الْمَحْبُوبِيِّ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ تَارَةً بِفُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا أَقْرَضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَأَصْحَابِ الْفَتَاوَى فِي إطْلَاقِهِمْ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ قَالَ فِي شَرْحِهِ هَذَا إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى لَمْ يُقَيِّدُوا (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرُ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا الشَّاهِدَانِ إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا رُجُوعًا مُعْتَبَرًا يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لَكِنْ ضَمِنَا الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَهَذَا قَوْلُهُ الْآخِرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سَوَاءٌ قَبَضَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الْمَالَ الَّذِي قُضِيَ لَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ انْتَهَتْ فَقَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخِرُ لَيْسَ نَصًّا فِي رُجُوعِهِ إلَى الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا لَأَخَّرَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْآخِرُ الضَّمَانَ بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً كَانَ الشَّاهِدُ كَحَالِهِ الْأَوَّلِ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ لَا فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى مَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ يُقِرُّ بِهِ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الشُّهُودَ يَضْمَنُونَ كَمَذْهَبِنَا وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا يُنْقَضُ وَلَا يُرَدُّ الْمَالُ مِنْ الْمُدَّعِي وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ وَهُوَ عَيْنُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ حَالُهُمَا وَقْتَ الرُّجُوعِ مِثْلَهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ ثُمَّ إذَا صَحَّ الرُّجُوعُ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَلَكِنْ يَضْمَنَانِ الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا لَهُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرُ. اهـ.
فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ أَرَادَ رُجُوعَ الْإِمَامِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْقَبْضِ فَنَقُولُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَمْشِ عَلَى خِلَافِهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَغَيْرُهُمْ كَالْهِدَايَةِ وَالْمُخْتَارِ وَالْوِقَايَةِ وَالْغُرَرِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْكَنْزِ وَالْمُنْتَقَى وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ فَكُلُّهُمْ قَيَّدُوا بِالْقَبْضِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْحَدَّادِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ صَحَّ نَقْلُ الرُّجُوعِ لَذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى شَرْحِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاتِنُ وَنَقَلُوا الْقَوْلَ الْآخَرَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَلَا ذِكْرِ رُجُوعٍ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ مَا أَثْبَتَهُ أَرْبَابُ الْمُتُونِ فِي مُتُونِهِمْ مُخْتَارٌ لَهُمْ لِأَنَّ الْمُتُونَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ وَمِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ مُشْتَهَرٌ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الشُّرُوحِ وَمَا فِي الشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى فَكَيْفَ لَا يُقَدَّمُ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى وَحِينَئِذٍ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلتُّمُرْتَاشِيِّ أَنْ يَجْزِمَ بِمَا فِي الْفَتَاوَى فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَيَعْدِلَ عَمَّا عَلَيْهِ الْمُتُونُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَضْمِينَ الشَّاهِدِ إلَخْ) جَعَلَ لِذَلِكَ أَصْلًا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ حَيْثُ قَالَ: دَقِيقَةٌ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الشَّاهِدَانِ مَتَى مَا ذَكَرَا شَيْئًا هُوَ لَازِمٌ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ ضَمِنَا وَمَتَى مَا ذَكَرَا شَيْئًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِخِلَافِ مَا قَالَا لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا حَتَّى إنَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ إذَا مَاتَ وَادَّعَى رَجُلٌ مِيرَاثَهُ بِسَبَبِ الْمُوَالَاةِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَوْلَى هَذَا الَّذِي أَسْلَمَ وَالَاهُ وَعَاقَدَهُ وَأَنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِمِيرَاثِهِ فَاسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا آخَرَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ نَقَضَ الْوَلَاءَ الْأَوَّلَ وَوَالَى هَذَا الثَّانِيَ وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ وَهَذَا الثَّانِي مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْمِيرَاثِ لِلثَّانِي فَيَكُونُ الثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَشْهُودَ لَهُ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِيمَا لِلْحُكْمِ بِهِ تَعَلُّقٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلَاءِ قَوْلُهُمَا هُوَ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْقَضَاءِ لَهُ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَصْلِ الْوَلَاءِ وَلَمْ يَقُولُوا: إنَّهُ وَارِثُهُ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْأَوَّلُ الْمِيرَاثَ بِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إنَّهُ مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ الْيَوْمَ وَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُمَا فَضَمِنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا مَاتَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ زِيَادَةٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فَإِنَّهُمَا لَوْ قَالَا: كَانَتْ امْرَأَتَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَصَارَ وُجُودُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَالْعَدَمِ بِمَنْزِلَةٍ وَلَوْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَكِنْ لَا يَجِبُ