هَذَا أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِقَاضِيَيْنِ فَهُوَ كَالْمُرَكَّبِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ لَيْسَ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا نَقْلُ شَهَادَةٍ أَوْ نَقْلُ حُكْمٍ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ فِيهِ أَنْسَبَ اهـ.
وَحَيْثُ كَانَ مِنْ عَمَلِهِمْ فَهُوَ مِنْهُ فَكَيْفَ يَنْفِيهِ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إلَى آخِرِهِ.
(قَوْلُهُ يَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) أَيْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ عِبَارَتِهِ وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِي الْآخَرُ فِي مَحِلِّهِ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِهِ فَكِتَابَتُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُزَوَّرُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِأَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَلِلْحَاجَةِ
وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ فِي الْحُدُودِ الْقِصَاصُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ بِزِيَادَةِ الِاحْتِمَالِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ وَالْمَوْتِ وَالْوِرَاثَةِ وَالْقَتْلِ إذَا كَانَ مُوجَبُهُ الْمَالَ وَالنَّسَبِ مِنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالْغَصْبِ وَالْأَمَانَةِ الْمَجْحُودَةِ مِنْ وَدِيعَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَالْأَعْيَانِ مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَبِهِ يُفْتَى لِلضَّرُورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنْقُولِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي تَجْوِيزُهُ فِي الْعَبْدِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ لَا فِي الْأَمَةِ وَعَنْهُ تَجْوِيزُهُ فِي الْكُلِّ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُتَقَدِّمُونَ لَمْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الثَّانِي وَعَمَلُ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ عَلَى التَّجْوِيزِ فِي الْكُلِّ
لِلْحَاجَةِ
قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ جَاءَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي بِرَسُولٍ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ عَدْلٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ وَيُخْبِرَ وَهُوَ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا بِخِلَافِ كِتَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ مِنْ مَجْلِسِ قَضَائِهِ دَلَّتْ التَّفْرِقَةُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى بَلْدَةٌ فِيهَا قَاضِيَانِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا مَجْلِسَ الْقَاضِي الْآخَرِ وَأَخْبَرَ بِحَادِثَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِخَبَرِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَكَذَا لَوْ حَضَرَ قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ لَيْسَ فِيهِ مَجْلِسُ قَاضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا قَاضٍ فِيهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِقَاضٍ فِيهِ لَا يَعْمَلُ بِخَبَرِ مَنْ لَيْسَ بِقَاضٍ فِيهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ كَقَاضٍ بِبُخَارَى الْتَقَى مَعَ قَاضٍ بِخُوَارِزْمَ وَأَخْبَرَهُ بِحَادِثَةٍ حَكَمَ فِيهَا بِبُخَارَى لَا يَعْمَلُ بِإِخْبَارِهِ قَاضِي خُوَارِزْمَ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مَسَائِلَ الْأُولَى طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ شُهُودَهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ أَوْ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا بِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ إذَا ذَهَبَ إلَيْهِ لَمْ يَكْتُبْ فِي قَوْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ]
(قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ إذْ الْمَنْفِيُّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كَوْنُهُ قَضَاءً وَالْمُثْبَتُ فِي الْفَتْحِ كَوْنُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً نَعَمْ كَوْنُهُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَدْخَلُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهِ مَجْلِسُ قَاضٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَيْسَا بِقَاضِيَيْنِ فِيهِ