وَلِذَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ وَلَا بِقَتْلِ مُوَرَّثِهِ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ وَلَا بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ بِطَلَبِهِ، وَقَوْلُهُمْ هُنَا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِقَتْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ الْأَصْلُ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لِتَصْرِيحِهِمْ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْجَدَّ لِأُمٍّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ وَلَدِ بِنْتِهِ فَكَذَا لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُحْبَسُ الْأَبَوَانِ وَالْجَدَّانِ وَالْجَدَّتَانِ إلَّا فِي النَّفَقَةِ لِوَلَدِهِمَا اهـ.
وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لِشَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِ وَلَدِهِ، وَقُلْنَا لَا يُحْبَسُ فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَإِلَّا بَاعَهُ لِلْقَضَاءِ كَبَيْعِهِ مَالَ الْمَحْبُوسِ الْمُمْتَنِعِ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَقَارِهِ كَمَنْقُولِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ: أَبِيعُ عَرَضِي وَأَقْضِي دَيْنِي أَجَّلَهُ الْقَاضِي ثَلَاثَةً وَلَا يَحْبِسُهُ وَلَوْ لَهُ عَقَارٌ يَحْبِسُهُ لِيَبِيعَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ وَلَوْ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَبِيعُ الْقَاضِي مَالَ الْأَبِ لِقَضَاءِ دَيْنِ ابْنِهِ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الْبَيْعُ، وَإِلَّا ضَاعَ وَقُيِّدَ بِدَيْنِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُحْبَسُ بِدَيْنِ أَصْلِهِ، وَيُحْبَسُ الْقَرِيبُ بِدَيْنِ قَرِيبِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ مَنْ لَا يُحْبَسُ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الْأَصْلُ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ. الثَّانِي الْمَوْلَى فِي دَيْنِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ وَإِنْ مَدْيُونًا يُحْبَسُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ. الثَّالِثُ الْعَبْدُ لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ مَوْلَاهُ أَطْلَقَهُ الشَّارِحُ فَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا. الرَّابِعُ الْمَوْلَى لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ مُكَاتَبِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ، وَإِلَّا يُحْبَسْ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الرِّضَا. الْخَامِسُ لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا آخَرَ يُحْبَسُ بِهِ لِلْمَوْلَى وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ بِالتَّعْجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ.
السَّادِسُ لَا يُحْبَسُ صَبِيٌّ عَلَى دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَلَوْ لَهُ مَالٌ مِنْ عُرُوضٍ وَعَقَارٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ وَالرَّأْيُ إلَى الْقَاضِي فَيَأْذَنُ فِي بَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ لِلْإِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يُحْبَسُ الصَّبِيُّ إلَّا بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ حَتَّى لَا يَتَجَاسَرَ إلَى مِثْلِهِ إذَا بَاشَرَ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدِّي قَصْدًا، أَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً فَلَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَ الصَّبِيَّ التَّاجِرَ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ حَتَّى لَا يُمَاطِلَ حُقُوقَ الْعِبَادِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ يُؤَدَّبُ لِيَنْزَجِرَ عَنْ الْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ. السَّابِعُ إذَا كَانَ لِلْعَاقِلَةِ عَطَاءٌ لَا يُحْبَسُونَ فِي دِيَةٍ وَأَرْشٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَطَاءٌ يُحْبَسُونَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيُزَادُ هُنَا مَسْأَلَتَانِ قَدَّمْنَاهُمَا لَا يُحْبَسُ الْمَدْيُونُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ مَالًا غَائِبًا أَوْ مَحْبُوسًا مُوسِرًا فَصَارَتْ تِسْعًا. قَوْلُهُ (إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) فَيُحْبَسُ؛ لِأَنَّهَا لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَهُوَ بِالْمَنْعِ قَصَدَ إهْلَاكَهُ فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ قَتْلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْأَجْدَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْتَهُ لَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ فَطَلَبَ مِنِّي تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَقُلْت: رُبَّمَا اغْتَرَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِ حَبْسِهِ بِقَوْلِهِمْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ مُتَوَهِّمًا أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا حَبَسَ الْأَبَ فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُبِسَ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ لِحَقِّ الْكَفِيلِ، وَلِذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ أَوْ سَيَثْبُتُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا ضَمًّا فِي الدَّيْنِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا ضَمًّا فِي الْمُطَالَبَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَبَسَهُ أَجْنَبِيٌّ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ اهـ.
وَقَدَّمْنَا عِبَارَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ لُوزِمَ لَازِمُهُ وَأَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلِابْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَبْسُ الْكَفِيلِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حَبْسِ أَصْلِ الِابْنِ لَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَفِيلِ حَبْسُهُ، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لِشَيْءٍ إلَخْ) قَالَ الْفَهَّامَةُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: رَجُلٌ لَهُ عَلَى أَبِيهِ مَهْرُ أُمِّهِ أَوْ دَيْنٌ آخَرُ فَأَقَرَّ أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ مَا لَمْ يَتَمَرَّدْ عَلَى الْحَاكِمِ فَإِذَا تَمَرَّدَ عَلَيْهِ يُحْبَسُ وَهَذَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ فَإِنَّ فِيهِ صِيَانَةَ مُهْجَتِهِ اهـ.
أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ عَلَيْهِ مَالَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ يُغْنِي عَنْ حَبْسِهِ اهـ. مَا ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ.
(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَقَارِهِ كَمَنْقُولِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمَنْقُولُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ مَالَهُ وَدَيْنَهُ لَوْ كَانَا دَرَاهِمَ قَضَى بِلَا أَمْرِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَا دَنَانِيرَ وَلَوْ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ بِالْعَكْسِ بِيعَ فِي دَيْنِهِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَمْ يَبِعْ عَرَضَهُ وَعَقَارَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُبَاعُ كَذَا فِي تَبْيِينِ الْكَنْزِ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَقَالَا يَبِيعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ الْقَاضِي وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ يَبِيعُ مَنْقُولَهُ وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ عِنْدَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ يَبِيعُ كَمَا يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا نَائِبِهِ بَيْعُ عَقَارِهِ وَلَا مَالِهِ مَعَ وُجُودِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ لَأُمِرَ بِالْبَيْعِ قَبْلَ