أَنَّهُ مُوسِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى النِّهَايَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَبْسَ أَوَّلًا ثُمَّ السُّؤَالُ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ كَانَ أَمْرُ الْمَدْيُونِ ظَاهِرًا عِنْدَ النَّاسِ فَالْقَاضِي يَقْبَلُ بَيِّنَةَ الْإِعْسَارِ وَيُخَلِّيهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَذْكُرُهَا، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ مُشْكِلًا هَلْ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ.

وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَسْأَلُ عَنْ الْمُعْسِرِ وَأَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعُسْرَةِ فَلَا أَحْبِسُهُ اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا وَلَوْ مُعْسِرًا عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عَلَى مُوسِرٍ دَيْنٌ يَعْلَمُ بِهِ الْقَاضِي يُحْبَسُ الْمُعْسِرُ حَتَّى يُطَالِبَ الْمُوسِرَ فَإِذَا طَالَبَهُ وَحُبِسَ الْمُوسِرُ أُطْلِقَ الْمُعْسِرُ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي عُسْرَتَهُ لَكِنْ لَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ يَتَقَاضَى غَرِيمُهُ فَإِنْ حُبِسَ غَرِيمُهُ الْمُوسِرُ لَا يَحْبِسُهُ. اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُ الْمَدْيُونَ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَالًا غَائِبًا أَوْ مَحْبُوسًا مُوسِرًا، وَأَنَّهُ يُطْلِقُهُ إذَا عَلِمَ بِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّاهُ) أَيْ أَطْلَقَهُ مِنْ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ عُسْرَتَهُ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ لِلْآيَةِ فَحَبْسُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ ظُلْمًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُطْلِقُهُ بِلَا كَفِيلٍ قُلْتُ: إلَّا فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ لَا يُطْلِقُهُ مِنْ الْحَبْسِ قَبْلَ الِاسْتِيثَاقِ بِكَفِيلٍ لِلصِّغَارِ. اهـ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ إذَا كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ غَائِبًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَالُ الْوَقْفِ كَمَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يُطْلِقُهُ الْقَاضِي إلَّا بِكَفِيلٍ فَهِيَ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٌ، وَالْكَلَامُ فِي إطْلَاقِهِ جَبْرًا عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَلَوْ أَطْلَقَهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى إفْلَاسِهِ وَرَضِيَ الْمَحْبُوسُ جَازَ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يُطْلِقُهُ الْوَصِيُّ وَفِي وَصَايَا الْقُنْيَةِ حَبَسَ الْوَصِيُّ غَرِيمًا بِدَيْنِ الصَّبِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْلِقَهُ قَبْلَ قَضَائِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا وَيُطْلِقَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ رَقْمٌ آخَرُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا جَازَ إطْلَاقُهُ اهـ.

فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْمُعْسِرَ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْمُوسِرِ خِلَافٌ وَقَيَّدْنَا بِرِضَا الْمَحْبُوسِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ الْمَحْبُوسُ بِالدَّيْنِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إفْلَاسِهِ فَأَرَادَ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْ يُطْلِقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِإِفْلَاسِهِ وَأَبَى الْمَحْبُوسُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُقْضَى بِإِفْلَاسِهِ، يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ حَتَّى لَا يُعِيدَهُ رَبُّ الدَّيْنِ ثَانِيًا قَبْلَ ظُهُورِ غِنَاهُ اهـ.

وَإِذَا أَطْلَقَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَهُ إعَادَتُهُ إلَى الْحَبْسِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ خَلَّاهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ مَرَّةً أُخْرَى لِلْأَوَّلِ وَلَا لِغَيْرِهِ حَتَّى يُثْبِتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَطْلَقَ الْقَاضِي الْمَحْبُوسَ لِإِفْلَاسِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ مَالًا، وَادَّعَى أَنَّهُ مُوسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَعْلَمَ يُسْرَهُ اهـ.

وَظُهُورُ عَدَمِ مَالٍ لَهُ بِالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَقَالَ الْخَصَّافُ يَثْبُتُ الْإِفْلَاسُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ هُوَ فَقِيرٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا وَلَا عَرَضًا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْفَقْرِ وَعَنْ الصِّغَارِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدَمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ وَثِيَابِهِ لَيْلَةً، وَاخْتَبَرْنَاهُ سِرًّا وَعَلَنًا اهـ.

وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ فَإِنَّ الْإِعْسَارَ بَعْدَ الْيَسَارِ أَمْرٌ حَادِثٌ فَتَكُونُ شَهَادَةً بِأَمْرٍ حَادِثٍ لَا بِالنَّفْيِ نَبَّهَ عَلَيْهِ السِّغْنَاقِيُّ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مَعَ إخْبَارِ وَاحِدٍ بِحَالِ الْمَحْبُوسِ لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الثُّبُوتِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ مُعْسِرٌ كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَفِي النَّوَازِلِ فَقِيرٌ لَا شَيْءَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَكْفُلُهُ بِنَفْسِهِ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ إنْ شَاءَ لَازَمَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَحْبُوسُ الْمَالَ وَرَبُّ الدَّيْنِ غَائِبٌ يُرِيدُ تَطْوِيلَ الْحَبْسِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ بِالدَّيْنِ وَمِقْدَارِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصْرِيحَ بِالْعَدَالَةِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الَّتِي هِيَ تَلْخِيصُ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ وَالسِّرَاجِيَّةِ (قَوْلُهُ هَلْ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ تُقْبَلُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ يَقُولُ لَهُ رِوَايَةٌ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُقْبَلُ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي آخِرِ الْبَابِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بَعْدَ الْحَبْسِ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا بِالْعَدَمِ فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ قَبِلَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْحَبْسِ وَفَلَّسَهُ اهـ.

وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمَقُولَةِ قَبْلَ هَذِهِ. (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَالًا غَائِبًا أَوْ مَحْبُوسًا مُوسِرًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ الضَّمِيرُ فِي لَهُ رَاجِعٌ لِلْمَدْيُونِ وَمُوسِرًا نَعْتٌ لِمَحْبُوسًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَدْيُونَ الْمُعْسِرَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَحْبُوسٌ بِدَيْنٍ وَمَحْبُوسُهُ مُوسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا أَطْلَقَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَهُ إعَادَتُهُ إلَى الْحَبْسِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَتْ خُصُومَةٌ بِلَا بَيِّنَةٍ أَمَّا إذَا لَمْ تَقَعْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَنُوطٌ بِرَأْيِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ السُّؤَالَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِيَاطٌ فَإِذَا اقْتَضَى رَأْيُهُ إطْلَاقَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَطْلَقَ الْقَاضِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015