وَإِنْ قَالَ بِسَبَبِ سَرِقَةٍ أَقْرَرْت بِهَا قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَهُ وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ حُبِسَ بِسَبَبِ حَدِّ الْخَمْرِ لَا يَحُدُّهُ سَوَاءٌ قَالَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ قَالَ بِسَبَبِ قَذْفٍ لِفُلَانٍ، وَصَدَّقَهُ حُدَّ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ.
قَوْلُهُ (وَعُمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَالْمُرَادُ إقْرَارُ ذِي الْيَدِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي فِي دِيَارِنَا مِنْ هَذَا أَنَّ أَمْوَالَ الْأَوْقَافِ تَحْتَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ يُوَلِّيهِمْ الْقَاضِي النَّظَرَ أَوْ الْمُبَاشَرَةَ فِيهَا، وَوَدَائِعَ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الَّذِي يُسَمَّى أَمِينَ الْحُكْمِ اهـ.
وَقَدْ انْقَطَعَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ أَمْوَالَ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الْأَوْصِيَاءِ، وَلَمْ يُوَلَّ فِي زَمَانِنَا أَمِينُ الْحُكْمِ قُيِّدَ بِغَلَّاتِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ إذَا جَحَدَهُ الْوَرَثَةُ وَلَا بَيِّنَةَ، وَقَالَ الْمَعْزُولُ إنَّ هَذَا وَقْفُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ سَلَّمْتُهُ إلَى هَذَا، وَأَقَرَّ ذُو الْيَدِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَة لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْقَاضِي وَذُو الْيَدِ، وَيَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ لِي، وَقَالَ الْمَعْزُولُ إنَّهُ مَالُ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا بِخِلَافِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ فِي الْإِلْزَامِ حَتَّى الْخَلِيفَةُ الَّذِي قَلَّدَ الْقَضَاءَ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ بِكَذَا لَا يُقْضَى بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ الْخَلِيفَةُ مَعَ آخَرَ، وَالْوَاحِدُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ خَمْسَةٍ الْأَوَّلُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يُقِرُّ بِهَا لِغَيْرِهِ فَإِذَا بَدَأَ ذُو الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِلْغَيْرِ ثُمَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي فَأَقَرَّ الْقَاضِي بِأَنَّهَا الْآخَرُ وَحُكْمُهُ أَنْ تُسَلَّمَ الْعَيْنُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ، وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلَهُ إنْ مِثْلِيًّا لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي فَيُسَلِّمُهَا لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُنْكِرَ التَّسْلِيمَ، وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُ الْمَعْزُولِ. الثَّالِثُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يُقِرُّ بِهِ لِلْغَيْرِ عَكْسُ الْأَوَّلِ، وَحُكْمُهُ عَدَمُ قَبُولِ الثَّانِي. الرَّابِعُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي ثُمَّ يَقُولُ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ، وَحُكْمُهُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَاضِي. الْخَامِسُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ تَسَلَّمَهُ مِنْ الْقَاضِي وَصَدَّقَ الْقَاضِي أَنَّهَا لِفُلَانٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمَا، وَيُدْفَعُ إلَى الْقَاضِي لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَلَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِهِ فِي وَجْهٍ وَعُمِلَ بِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَقَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ شَامِلٌ لِمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ قَبْلَ عَزْلِهِ يَقُولُ هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ الْيَتِيمِ اسْتَوْدَعْته فُلَانًا، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى بَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَيُؤْخَذُ الْمَالُ لِمَنْ ذَكَرَهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَاسْتَقْضَى غَيْرَهُ فَشَهِدَ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ أَوْ دَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَكَمَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ» «، وَقَالَ لِلْمَدْيُونِ قُمْ فَاقْضِهِ بَعْدَ أَمْرِ الدَّائِنِ بِوَضْعِ الشَّطْرِ، وَكَانَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا» «وَأَمَرَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَقَدْ لَاعَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْرِكِ يَدْخُلُهُ لِلْقَضَاءِ وَهُوَ نَجِسٌ فَلَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَأَمَّا الْحَائِضُ فَتُخْبِرُ بِحَالِهَا لِيَخْرُجَ إلَيْهَا الْقَاضِي أَوْ يُرْسِلَ نَائِبَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَابَّةٍ، وَكَذَا السُّلْطَانُ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ أَطْلَقَ الْمَسْجِدَ فَشَمِلَ غَيْرَ الْجَامِعِ لَكِنَّهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ ثُمَّ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَاتُ وَإِنْ لَمْ تُصَلَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ.
قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا فَلَا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ وَفِي السُّوقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي بَيْتِهِ وَحَيْثُ كَانَ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقًّا فِي مَجْلِسِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَيْتَهُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجْلِسُ لَهُ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا بَوَّابٌ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَحْكُمُ، وَهُوَ مَاشٍ وَلَا رَاكِبٌ وَلَا بَأْسَ بِالْعُقُودِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَا بَأْسَ بِالْحُكْمِ وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَهُ وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَتَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْحُدُودِ إنْ طَلَبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ شَرْطَ الْقَطْعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الثُّبُوتُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ) أَيْ لَا يَقْطَعُهُ لِأَجْلِ التَّقَادُمِ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عِنْدَ الثَّانِي إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ، وَلَا يُعَجَّلُ فِي إطْلَاقِهِ بَلْ يَفْعَلُ مَا قُلْنَا شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَنْ أَقَرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي) وَهُوَ إقْرَارُهُ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ.