قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ضَمِنْته لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا لَا يَكُونُ كَفِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَضْمُونَ نَفْسًا أَوْ مَالًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ عَلَيَّ ضَمَانٌ مُضَافٌ إلَى الْعَيْنِ وَجَعَلَ الِالْتِقَاءَ غَايَةً لَهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة هُوَ عَلَيَّ حَتَّى نَجْتَمِعَا فَهُوَ كَفِيلٌ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ حَتَّى تَلْتَقِيَا فَهُوَ كَفِيلٌ إلَى الْغَايَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَبِعَلَيَّ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلْوُجُوبِ فَهِيَ صِيغَةُ الْتِزَامٍ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ لَك عِنْدِي هَذَا الرَّجُلُ أَوْ قَالَ دَعْهُ إلَيَّ كَانَتْ كَفَالَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِلَيَّ) بِمَعْنَاهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ» أَيْ يَتِيمًا فَإِلَيَّ «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» . (قَوْلُهُ: وَأَنَا زَعِيمٌ) ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى زَعِيمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ يُوسُفَ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ كَفِيلٌ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ لَكِنْ ذَكَرَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَنَّ ذَلِكَ كَفَالَةً وَلَيْسَ مِنْهَا فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ مُسْتَأْجِرٌ لِمَنْ جَاءَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا لِمَنْ جَاءَ بِهِ وَلَيْسَ ضَمَانًا عَنْ أَحَدٍ وَجَوَابُهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا مِنْ جِهَةِ الْمَلِكِ وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ فَلَا تَجِبُ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ثُمَّ يَقُولُ مِنْ جِهَتِهِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْحِمْلِ عَلَى الْمَلِكِ كَفِيلٌ، وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ بَعْدَمَا قَرَّرَ أَنَّهَا دَلِيلُ الْكَفَالَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ كَفَالَةً لِرَدِّ مَالِ السَّرِقَةِ وَهُوَ كَفَالَةٌ مَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا عَلَى رَدِّ السَّرِقَةِ وَلَعَلَّ مِثْلَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ كَانَتْ تَصِحُّ عِنْدَهُمْ. اهـ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْجَعَالَةِ وَضَمَانِ الْجُعَلِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ. اهـ.
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْأَسْيُوطِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] قَالَ الزَّعِيمُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ الَّذِي قَالَ أَيَّتُهَا الْعِيرُ اهـ.
قَوْلُهُ (وَقَبِيلٌ بِهِ) أَيْ بِفُلَانٍ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ وَلِذَا سُمِّيَ الصَّكُّ قُبَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ فَمَعْنَاهُ الْقَابِلُ لِلضَّمَانِ وَفِي الصِّحَاحِ الْقَبِيلُ الْكَفِيلُ وَالْعَرِيفُ وَقَدْ قِبَلَ بِهِ يَقْبَلُ بِهِ قُبَالَةً وَنَحْنُ فِي قُبَالَتِهِ أَيْ فِي عَرَافَتِهِ وَالْقَبِيلُ الْجَمَاعَةُ تَكُونُ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا مِنْ قَوْمٍ شَتَّى مِثْلُ الرُّومِ وَالزِّنْجِ وَالْعَرَبِ وَالْجَمْعُ قُبُلٌ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَا قَبِيلٌ لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ كَانَ كَفِيلًا كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ آتِيك بِهِ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ لَا تَصِحُّ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْعُرْفِ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الْكَفَالَةَ وَجْهُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ الْتَزَمَ مَعْرِفَتَهُ دُونَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ كَالْتِزَامِهِ دَلَالَةً عَلَيْهِ أَوْ قَالَ أُوقِفُك عَلَيْهِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَالظَّاهِرُ مَا عَنْهُمَا وَفِي خِزَانَةِ الْوَاقِعَاتِ وَبِهِ يُفْتَى أَيْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَيَّدَ بِالْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ إلَى اثْنَيْنِ فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ يَعْرِفَهُ الْغَرِيمُ بِخِلَافِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا مَعْرِفَةَ الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا أَعْرِفُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا كَمَا فِي السِّرَاجِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَلَوْ قَالَ مَعْرِفَةُ فُلَانٍ عَلَيَّ قَالُوا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَلْفَاظُ الْكَفَالَةِ كُلُّ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ثُمَّ قَالَ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَئِمَّةِ اللُّغَةِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ إلَّا مُتَعَدِّيًا بِغَيْرِهِ. اهـ.
أَقُولُ: فَلِذَا أَتَى النَّسَفِيُّ بِالْبَاءِ فِي بِنَفْسِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ ضَمِنْت بِغَيْرِ ضَمِيرٍ قَالَ الْغَزِّيِّ أَقُولُ: يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْبَيَانِ. اهـ. كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فَلَوْ قِيلَ أَتَضْمَنُ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالَ ضَمِنْت أَوْ أَنَا ضَامِنٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مَعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَحَصَلَ الْبَيَانُ. اهـ.
هَذَا وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الشَّلَبِيِّ قَدْ رَاجَعْت نُقُولًا كَثِيرَةً مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى فَبَعْضُهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّ ضَمِنْت مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا فِي أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ إلَّا قَطَعَ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ضَمِنْته أَوْ هُوَ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ بِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانِ النَّفْسِ وَضَمَانِ الْمَالِ. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إنْ أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَتَتَمَحَّضُ حِينَئِذٍ لِلْكَفَالَةِ بِهِ. اهـ.
قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْبَيَانَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَإِنَّهَا عِنْدَ عَدَمِهِ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ لِوُجُودِ الْبَيَانِ بِالْإِضَافَةِ فِيهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَنَا ضَامِنٌ وَبَيْنَ هُوَ عَلَيَّ خِلَافًا لِمَا فِي الْمِنَحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَانَتْ كَفَالَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ كَانَتْ كَفَالَةً بِالنَّفْسِ