عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالْكَسَادِ وَحُكْمُ الدَّرَاهِمِ كَذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا وَكَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلًا وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذِّرَ إنَّمَا هُوَ التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْكَسَادِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ بِالرَّوَاجِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِالرُّطَبِ ثُمَّ انْقَطَعَ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْبَيْعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ وَهُوَ آخِرُ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ فَتَبْطُلُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَالْعَقْدُ بِمَا تَنَاوَلَ عَيْنَهَا بِصِفَةِ الثَّمَنِيَّةَ، وَقَدْ انْعَدَمَتْ بِخِلَافِ انْقِطَاعِ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَعُودُ غَالِبًا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ بِخِلَافِ النُّحَاسِ فَإِنَّهُ بِالْكَسَادِ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ فَكَانَ الْغَالِبُ عَدَمَ الْعَوْدِ.
وَالْكَسَادُ لُغَةً كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ مِنْ كَسَدَ الشَّيْءُ يَكْسُدُ مِنْ بَابِ فَتَلَ لَمْ يُنْفَقْ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فَهُوَ كَاسِدٌ وَكَسَدَ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَكْسَدَهُ اللَّهُ وَكَسَدَتْ السُّوقُ فَهِيَ كَاسِدٌ بِغَيْرِ هَاءٍ فِي الصِّحَاحِ وَبِالْهَاءِ فِي التَّهْذِيبِ وَيُقَالُ أَصْلُ الْكَسَادِ الْفَسَادُ. اهـ.
وَفِقْهًا أَنْ يَتْرُكَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ لَكِنَّهُ تُعَيَّبُ إذَا لَمْ تَرُجْ فِي بَلَدِهِمْ فَتَخَيَّرَ الْبَائِعُ إذَا شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ وَحْدًا لِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ وَفِي الْبُيُوتِ هَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا ذَكَرَ لِلْكَسَادِ ذَكَرَهُ فِي الْعُيُونِ وَقَالُوا: إنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَفِيَ الْبَيْعُ بِالْكَسَادِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ بَعْضِ النَّاسِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَالْكَاسِدُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الِانْقِطَاعِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ إذَا كَسَدَتْ كَذَلِكَ. اهـ.
قَيَّدَ بِالْكَسَادِ وَمِثْلُهُ الِانْقِطَاعُ لِأَنَّهَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ وَعَكْسُهُ لَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُطَالِبُ بِأَلْفٍ بِذَلِكَ الْمِعْيَارِ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمِصْبَاحِ نَفَقَتْ الدَّرَاهِمُ نَفْقًا مِنْ بَابِ تَعَبَ نُقِدَتْ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَنْفَقْتهَا قَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا لَمْ تُقْبَضْ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَبَضَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَوْفَاهَا فَكَسَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى غَلَتْ الْفُلُوسُ الْقَرْضُ أَوْ رَخُصَتْ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي أَوَّلًا لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَقَالَ الثَّانِي ثَانِيًا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ بِالْعَزْوِ إلَى الْمُنْتَقَى وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ وَلَكِنْ صَوَّرَهَا بِمَا إذَا بَاعَ مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ وَقَوْلُهُمْ عَنْ الْمُنْتَقَى يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ لَعَلَّهُ بِالتَّوْزِيعِ فَقَوْلُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ عَائِدٌ إلَى الْبَيْعِ وَقَوْلُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ عَائِدٌ إلَى الْقَرْضِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ وَالدَّيْنِ عَلَى هَذَا وَفِي النِّكَاحِ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ دُونَ بَعْضٍ فَسَدَ فِي الْبَاقِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالْكَسَادِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَلْحَقَ هَذَا الشَّارِحُ الِانْقِطَاعَ بِالْكَسَادِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ قَالَ فَإِنْ انْقَطَعَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ انْقَطَعَ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الذَّخِيرَةِ الِانْقِطَاعُ كَالْكَسَادِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ فَلَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ.
ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ الدَّرَاهِمِ كَذَلِكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُرِيدُ بِهِ الدَّرَاهِمَ الَّتِي لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهَا الْغِشُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِغَالِبِ الْغِشِّ وَلَا بِالْفُلُوسِ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِمَا دُونَ الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ لِغَلَبَةِ الْكَسَادِ فِيهِمَا دُونَهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَالُوا إنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَا يَقُولُ بِأَنَّ الْكَسَادَ يُوجِبُ الْفَسَادَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ أَقُولُ: وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ لَا يَقُولُ بِهِ أَيْضًا كَمَا قَدْ عَلِمْت فَكَيْفَ يَكْتَفِي لِلْفَسَادِ بِالْكَسَادِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ التَّأَمُّلِ أَنَّ مِمَّا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ أَنَّ مَا فِي الْعُيُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ الْفَسَادَ بِالْكَسَادِ فِي الْفُلُوسِ قَوْلُ الْكُلِّ وَأَنَّ الْخِلَافَ الْأَوَّلَ مَقْصُورٌ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَسَوَّى الْقُدُورِيُّ بَيْنَ الْكُلِّ وَهُوَ الْوَجْهُ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ وَالدَّيْنِ عَلَى هَذَا إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ