أَبُو يُوسُفَ: إذَا اقْتَضَى دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَهَا، ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ الزِّيَافَةِ فَإِنْ كَانَ حِينَ أَنْفَقَهَا يَعْلَمُ أَنَّهَا زَائِفَةً فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا سَوَاءٌ قَبِلَهَا بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَبِيعِ إذَا قَبِلَهُ الْبَائِعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ الرَّدَّ إذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ جُعِلَ عَقْدًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَهُوَ الْبَائِعُ، أَمَّا هُنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْعًا جَدِيدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَنْ أَقْرَضَ كُرَّ حِنْطَةٍ عَفِنَةٍ وَقَبَضَهَا الْمُسْتَقْرِضُ وَاسْتَهْلَكَهَا، ثُمَّ قَضَاهُ كُرَّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ الطَّالِبُ لِي عَلَيْك حِنْطَةٌ طَيِّبَةٌ وَصَدَّقَهُ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ قَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّ الْكُرَّ الْقَرْضَ كَانَ عَفِنًا فَلِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا قَضَاهُ وَيُعْطِيَهُ كُرًّا عَفِنًا مِثْلَ الْقَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ قَالَ لَهُ كُرًى جَيِّدٌ لَكِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ قَضَاهُ جَيِّدًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ آخِرِ كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَغْشُوشِ إذَا بُيِّنَ وَكَانَ ظَاهِرًا يُرَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ فِي رَجُلٍ مَعَهُ فِضَّةُ نُحَاسٍ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى يُبَيِّنَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِسَتُّوقَةٍ إذَا بَيَّنَ، وَأَرَى أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَكْسِرَهَا لَعَلَّهَا تَقَعُ فِي أَيْدِي مَنْ لَا يُبَيِّنُ وَبِشْرٌ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ الزُّيُوفَ وَالنَّبَهْرَجَةَ وَالسَّتُّوقَةَ وَالْمُكْحُلَةَ وَالْبُخَارِيَّةَ وَإِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَتَجَوَّزَ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ مِنْ قَبْلُ أَنَّ إنْفَاقَهَا ضَرَرٌ عَلَى الْعَوَامّ وَمَا كَانَ ضَرَرًا عَامًّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَرِضَا هَذَيْنِ الْحَاضِرَيْنِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي أَيْدِي الْمُدَلِّسَةِ عَلَى الْجَاهِلِ وَمِنْ التَّاجِرِ الَّذِي لَا يَتَحَرَّجُ قَالَ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ وَيُعَاقَبَ صَاحِبُهُ إذَا أَنْفَقَهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ اهـ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْرَخَ طَيْرٌ أَوْ بَاضَ أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» وَالْبَيْضُ صَيْدٌ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ بِكَسْرِهِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنْ لَا تَكُونَ أَرْضُهُ مُهَيَّأَةً لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلِاصْطِيَادِ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ إلَّا بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلْجَفَافِ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِاصْطِيَادَ مَلَكَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ أَوْ وَقَعَ مَا نُثِرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي ثِيَابِهِ بِخِلَافِ مَعْسَلِ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُعَدَّةً لِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكَهُ تَبَعًا لَهَا كَالْأَشْجَارِ النَّابِتَةِ وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ فِيهَا بِجَرَيَانِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ الثَّانِي فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَهَذَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعِيدًا مِنْ الصَّيْدِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ لَوْ مَدَّ يَدَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَرِيبًا مِنْ الصَّيْدِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ لَوْ مَدَّ يَدَهُ فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آخِذًا لَهُ تَقْدِيرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ حَقِيقَةً إنْ لَمْ يَكُنْ آخِذًا لَهُ بِأَرْضِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

وَقَوْلُهُ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ أَيْ دَخَلَ فِي كِنَاسِهِ وَهُوَ بِالْكَسْرِ بَيْتُهُ وَكَنَسَ الظَّبْيُ كُنُوسًا مِنْ بَابِ نَزَلَ دَخَلَ كِنَاسَهُ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَكَنَّسَ وَفِي الْمُغْرِبِ كَنَسَ الظَّبْيُ دَخَلَ فِي الْكِنَاسِ كُنُوسًا مِنْ بَابِ طَلَبَ وَتَكَنَّسَ مِثْلُهُ وَمِنْهُ الصَّيْدُ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَيْ اسْتَتَرَ وَيُرْوَى تَكَسَّرَ وَانْكَسَرَ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَكَسَّرَ أَيْ وَقَعَ فِيهَا فَتَكَسَّرَ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَّرَهُ رَجُلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَا لِلْآخِذِ وَلَا يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ اهـ.

ثُمَّ قَالَ وَمِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَوْ اتَّخَذَ فِي أَرْضِهِ حَظِيرَةً فَدَخَلَ الْمَاءُ وَالسَّمَكُ مِلْكَهُ، وَلَوْ اُتُّخِذَتْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى فَمَنْ أَخَذَ السَّمَكَ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَا فِي حَفْرِ الْحَفِيرَةِ إنْ حَفَرَهَا لِلصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْآخِذِ وَكَذَا صُوفٌ وُضِعَ عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ طَلَبَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ مِنْ بَابِ جَلَسَ (قَوْلُهُ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَرَهُ رَجُلٌ) إنَّمَا يَتِمُّ الِاحْتِرَازُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُطَاوَعَةِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ يُقَالُ كَسَّرْته بِالتَّشْدِيدِ فَتَكَسَّرَ وَكَسَرْته بِالتَّخْفِيفِ فَانْكَسَرَ أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015