أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَاعَ أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ إنَّك قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ وَقِيلَ لِعُثْمَانَ إنَّكَ قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ (فَائِدَةٌ)
ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بْنُ حَجَرٍ فِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ النَّوْفَلِيُّ صَحَابِيٌّ عَارِفٌ بِالْأَنْسَابِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمُرَادُهُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ أَمَّا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ وَلَمْ يَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعِوَضِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ لَوْ عَيْنًا وَالْكَيْلِيُّ وَالْوَزْنِيُّ إذَا كَانَا عَيْنًا فَهُمَا كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ وَكَذَا التِّبْرُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ وَالْأَوَانِي وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا مُلِكَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا وَالْكَيْلِيُّ وَالْوَزْنِيُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَيْنًا فَهُمَا كَنَقْدَيْنِ لَا يَثْبُتُ فِيهِمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إذَا قُبِضَا. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَأَلْفٍ فَتَقَابَضَا ثُمَّ رَدَّ بَائِعُ الْجَارِيَةِ الْعَبْدَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَنْتَقِضْ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ بِحِصَّةِ الْأَلْفِ وَفِي الْمُحِيطِ بَاعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ لَمْ يَرَهَا وَبِدَيْنٍ ثُمَّ رَآهَا فَرَدَّهَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ وَلَا يَنْتَقِضُ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي حِصَّتِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي يَعْنِي مِنْ صَرِيحٍ وَدَلَالَةٍ وَضَرُورَةٍ فَمَا يَفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ لَا يُبْطِلُهُمَا إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَإِنْ تَكَرَّرَ أَبْطَلَهُمَا كَالِاسْتِخْدَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَمَا لَا يُفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ وَلَا يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ تَصَرُّفًا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي وَالرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فَبَطَلَ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا وَيَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ لِخِيَارِ الشَّرْطِ دُونَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا وَصَرِيحُهُ لَا يُبْطِلُهُ فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ وَهَذَا هُوَ الْعُذْرُ لِلْمُؤَلِّفِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ صَرِيحَ الرِّضَا لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَهَا وَلَا يَرِدَانِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ تَعَيُّبٍ وَتَصَرُّفٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِسْكَانُ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِخِيَارِ الشَّرْطِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ فَإِنَّهَا تُبْطِلُهُمَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ الْإِيرَادِ فَيَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْكَنْزِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ بِخِيَارِهِ وَالْإِجَارَةُ وَالْإِسْكَانُ بِلَا أَجْرٍ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ دُونَ الرُّؤْيَةِ وَهَذِهِ لَا تَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إلَّا الْإِسْكَانَ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ أَسْكَنَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ رَجُلًا بِلَا أَجْرِ سَقَطَ خِيَارُ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ أَسْكَنَ بِأَجْرٍ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَسْقُطُ إلَّا إنْ أَسْكَنَهُ بِأَجْرٍ. اهـ.
وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ عَلَى الْكُلِّيَّةِ أَيْضًا الرِّضَا بِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُبْطِلُهُ وَيُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ وَأَمَّا الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ.
فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَهَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَهَا وَالْقَبْضُ أَوْ نَقْدُ الثَّمَنِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مُسْقِطٌ لَهُ شَرَاهُ وَحَمَلَهُ الْبَائِعُ إلَى بَيْتِ الْمُشْتَرِي فَرَآهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَيَصِيرُ هَذَا كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْمَبِيعِ بِعَيْبٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَرَى مَتَاعًا وَحَمَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ فَلَهُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لَوْ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ شَرَى أَرْضًا لَمْ يَرَهَا
(قَوْلُهُ وَلَا يَرِدَانِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ) أَيْ الشُّفْعَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ (قَوْلُهُ فَيَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْكَنْزِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ) فَإِنَّهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُبْطِلُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ بِخِيَارٍ أَيْ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَيُبْطِلُهُ مُطْلَقًا كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَرَّ وَالْكَلَامُ فِيمَا فَارَقَ خِيَارَ الشَّرْطِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْيِيدَ الْبَيْعِ بِمَا فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَيْضًا مُطْلَقًا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا كَمَا قَدَّمَهُ وَلَعَلَّهُ بِالزَّايِ لَا بِالرَّاءِ لَكِنْ يَبْقَى مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ وَيَرِدُ عَلَى الْكُلِّيَّةِ الرِّضَا بِهِ إلَخْ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ الْإِيرَادَ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مُنْدَفِعٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا دَلِيلُ الرِّضَا وَصَرِيحُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُبْطِلُهُ فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى أَوْ بِمَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَيُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَخْ) أَيْ يَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَلَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ هُنَا لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ فَكَانَ الْوَجْهُ ذِكْرَهُ عَلَى صِيغَةِ التَّعْلِيلِ فَيَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَى أَرْضًا لَمْ يَرَهَا