بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» .
وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالْحَدِيثِ «مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمُؤَبَّرَةِ وَغَيْرِهَا وَأَجَابُوا عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ حَاصِلَهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ فَمَنْ قَالَ بِهِ يَلْزَمُهُ وَأَهْلُ الْمَذْهَبِ يَنْفُونَ حُجِّيَّتَهُ وَمَا قِيلَ إنَّ فِي مَرْوِيِّهِمْ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُمْ لَوْ كَانَ لَقَبًا لِيَكُونَ مَفْهُومَ لَقَبٍ لَكِنَّهُ صِفَةٌ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ مُحَمَّدٍ فَهُمْ يَحْمِلُونَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَعَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْوَجْهِ الْقِيَاسُ عَلَى الزَّرْعِ الْمَفْهُومِ إذَا تَعَارَضَا وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ حَمْلُ الْإِبَارِ عَلَى الْإِثْمَارِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَخِّرُونَهُ عَنْهُ وَكَانَتْ الْإِبَارُ عَلَامَةَ الْإِتْمَامِ فَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ نَخْلًا مُؤَبَّرًا يَعْنِي مُثْمِرًا وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ أَنَّ الثَّمَرَةَ مُطْلَقًا لِلْمُشْتَرِي بَعِيدٌ إذْ يُضَادُّ الْأَحَادِيثَ الْمَشْهُورَةَ اهـ.
فَظَاهِرُهُ أَنَّ عِنْدَهُ تَرَدَّدَا فِي صِحَّةِ دَلِيلِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرِّجُ لِأَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُصُولِ حَتَّى فِي تَحْرِيرِ الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثٍ كَانَ تَصْحِيحًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ بَعْدَهُ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إمَّا مُجْتَهِدٌ أَوْ نَاقِلُ أَدِلَّةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَاسْتِدْلَالُهُ تَصْحِيحٌ وَقَوْلُهُ وَعَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ يَجِبُ قُلْنَا ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأُصُولِ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَنَا لَا فِي حَادِثَةٍ وَلَا فِي حَادِثَتَيْنِ حَتَّى جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّيَمُّمَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ، وَلَمْ يُحْمَلْ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» إلَى آخِرِ مَا فِيهَا.
فَإِنْ قُلْتُ: ذُكِرَ فِي الزَّرْعِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَذُكِرَ فِي الثَّمَرِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَهَلْ لِلْمُغَايَرَةِ نُكْتَةٌ قُلْتُ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك الْأَرْضَ وَزَرْعَهَا أَوْ مَعَ زَرْعِهَا أَوْ بِزَرْعِهَا أَوْ الشَّجَرَ وَثَمَرَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ بِهِ أَوْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الشَّرْطِ فَيَقُولُ بِعْتُك الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَكُونَ زَرْعُهَا لَك وَبِعْتُك الشَّجَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ لَك، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَكُلُّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا إنْ بَاعَ أَرْضًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْهَا وَالثَّانِي إنْ بَاعَ أَرْضًا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مَعَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالثَّالِثُ إنْ بَاعَ أَرْضًا بِكُلِّ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ مِنْهَا أَوْ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فَيَدْخُلَانِ فِيهِ اهـ.
وَقَدَّمْنَا حُكْمَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالشِّرْبِ مِنْ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ أَنَّ ذِكْرَ الْمَرَافِقِ وَالْحُقُوقِ مُقْتَصِرٌ أَوْ إنْ زَادَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لَمْ يَدْخُلَا فِيهِمَا عَلَى عَكْسِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَقَوْلُهُ بِكُلِّ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ، أَمَّا الثَّمَرُ الْمَجْدُودُ وَالزَّرْعُ الْمَحْصُودُ فِيهَا فَلَا يَدْخُلَانِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ عَلَيْهَا ثِمَارٌ، وَقَالَ فِي الْبَيْعِ بِثِمَارِهَا فَأَكَلَ الْبَائِعُ الثِّمَارَ سَقَطَتْ حِصَّةُ الثِّمَارِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَلْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِ الْبَاقِي ذُكِرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَاةً بِعَشَرَةٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَدًا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَلْزَمُهُ الشَّاةُ بِخَمْسَةٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي مَسْأَلَةِ الثِّمَارِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ صَارَ مَبِيعًا مَقْصُودًا فَإِذَا أَكَلَ الْبَائِعُ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى أَرْضًا مَعَ الزَّرْعِ فَأَدْرَكَ الزَّرْعَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبَاتِ صَوَابُهُ بَعْدَ النَّبَاتِ وَقَوْلُهُ فَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ صَوَابُهُ إبْدَالُ الْفَاءِ بِالْوَاوِ وَتَقْيِيدُهُ بِمَا قَبْلَ النَّبَاتِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْوَجْه الْقِيَاسِ عَلَى الْمَفْهُومِ) وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْوَجْهِ الْقِيَاسُ عَلَى الزَّرْعِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ مُتَّصِلٌ لِلْقَطْعِ لَا لِلْبَقَاءِ فَصَارَ كَالزَّرْعِ وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ وَهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَفْهُومِ إذَا تَعَارَضَا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُحْمَلْ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ هُنَا لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَقَبٌ وَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَيْسَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَمْلُ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ فِي حَادِثَةٍ عِنْدَنَا وَالْحَمْلُ فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ مَشْهُورٌ عِنْدَنَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمَنَارِ وَالتَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالشِّرْبِ إلَخْ) الَّذِي قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ هُنَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ أَمَّا الثَّمَرُ الْمَجْدُودُ) يَعْنِي مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ