مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَصْلٌ إلَّا إذَا كَانَ بِيعَ مُقَايَضَةً.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَفِي الْقَامُوسِ التَّعَاطِي التَّنَاوُلُ وَهَكَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمِصْبَاحِ وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِعْطَاءَ مِنْ جَانِبٍ وَالْأَخْذَ مِنْ جَانِبٍ لَا الْإِعْطَاءَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فَهِمَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَيْعَ التَّعَاطِي فِي مَوَاضِعَ فَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَفَهِمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ شَرْطٌ وَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفَهِمَ الْبَعْضُ بِأَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ وَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَفَهِمَ الْبَعْضُ عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ لَا يَكْفِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَصُورَتُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الثَّمَنِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ وَيَذْهَبُ بِهِ بِرِضَا صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الثَّمَنِ أَوْ يَدْفَعُ الثَّمَنَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، ثُمَّ يَذْهَبُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي.
وَهَذَا فِيمَا ثَمَنُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَمَّا الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمِنْ بَيْعِ التَّعَاطِي حُكْمًا مَا إذَا جَاءَ الْمُودِعُ بِأَمَةٍ غَيْرِ الْمُودَعَةِ، وَقَالَ هَذِهِ أَمَتُك وَالْمَالِكُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ إيَّاهَا وَحَلَفَ فَأَخَذَهَا حَلَّ الْوَطْءُ لِلْمُودِعِ وَكَانَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ لَيْسَتْ هَذِهِ بِطَانَتِي فَحَلَفَ الْخَيَّاطُ أَنَّهَا هِيَ وَسِعَهُ أَخْذُهَا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مِلْكًا لِلدَّافِعِ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُ فَلَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الدَّلَّالِ لِلْبَزَّازِ إنَّ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ ضَعْهُ، وَكَذَا بِكَمْ تَبِيعُ قَفِيزَ حِنْطَةٍ، فَقَالَ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ اعْزِلْهُ فَعَزَلَهُ فَهُوَ بَيْعٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْقَصَّابِ مِثْلَهُ.
وَمِنْهُ لَوْ رَدَّهَا بِخِيَارِ عَيْبٍ وَالْبَائِعُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ فَأَخَذَهَا وَرَضِيَ فَهُوَ بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا فِي جَارِيَةِ الْوَدِيعَةِ وَبِطَانَةِ الْخَيَّاطِ وَعَلَى هَذَا فَالْأَمْرُ بِالْعَزْلِ أَوْ الْوَزْنِ يَكْفِي عَنْ الْقَبْضِ فَهَذَا بَيْعُ مُعَاطَاةٍ وَلَا قَبْضَ فِيهِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ بِالْعَزْلِ وَالْوَزْنِ قَائِمًا مَقَامَ الْقَبْضِ وَيَجِبُ أَنْ يُقَامَ الْإِيجَابُ لِاقْتِضَائِهِ سَابِقَةً اشْتَرَيْت كَاقْتِضَاءِ خُذْ سَابِقَةَ الْبَيْعِ وَوَزْنُ الْمُخَاطَبِ قَبُولٌ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ فَالْوَزْنُ وَالْعَزْلُ فِعْلٌ هُوَ قَبُولٌ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهُ هُنَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْهُمَامِ وَقَدَّمْنَا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَنَّهُمَا بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا الْبَيْعُ قَبْلِ مُتَارَكَةِ الْفَاسِدِ فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى وَهُوَ صَرِيحُ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ التَّعَاطِيَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى السَّابِقِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَسِيسَ وَالنَّفِيسَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي نَفَائِسِ الْأَشْيَاءِ اهـ.
قُلْتُ: وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمَشْهُورِ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ وَالنَّفِيسِ مَا كَثُرَ ثَمَنُهُ كَالْعَبْدِ وَالْخَسِيسُ مَا قَلَّ ثَمَنُهُ كَالْخُبْزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ النَّفِيسَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ فَأَكْثَرَ وَالْخَسِيسَ بِمَا دُونَهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى وِقْرًا بِثَمَانِيَةٍ، ثُمَّ قَالَ ائْتِ بِوِقْرٍ آخَرَ وَأَلْقِهِ هُنَا فَفَعَلَ لَهُ طُلِبَ الثَّمَنُ قَالَ لِقَصَّابٍ كَمْ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ مَنَوَانِ فَأَعْطَى الدِّرْهَمَ وَأَخَذَهُ فَهُوَ بَيْعٌ جَائِزٌ وَلَا يُعِيدُ الْوَزْنَ، وَإِنْ وَزَنَهُ
(قَوْلُهُ فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى) أَقُولُ: ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جَمِيعَ قُفْزَانِهَا، وَقَالَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ اهـ.
لَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ، فَإِنْ قِيلَ بَلْ مِثْلُهَا مَانِعٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ، فَإِنَّهُ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ إزَالَةُ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا قُلْنَا إنَّمَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ بِسَبَبِ رَقْمٍ لَا يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي فَصَارَ هُوَ بِسَبَبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُبَيِّنَ الْبَائِعُ قَدْرَ الرَّقْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى الرِّضَا فَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ ابْتِدَاءً بِالتَّرَاضِي اهـ.
وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ بِالتَّعَاطِي وَتَارَةً بِالتَّرَاضِي وَالتَّعَاطِي فَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي عَدَمَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَمَّا لَوْ تَرَاضَيَا فِيهِ يَنْعَقِدُ بِدُونِ مُتَارَكَةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْفَاسِدِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إلَّا إنْ تَقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَلَوْ بَاعَ ثَلَّةً أَوْ ثَوْبًا وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ وَسَائِدِي وَسَائِدَ وَوُجُوهَ الطَّنَافِسِ وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوجَةٍ بَعْدُ، وَلَمْ يَضْرِبَا لَهُ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ فَلَوْ نَسَجَ الْوَسَائِدَ وَوُجُوهَ الطَّنَافِسِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَصِيرُ هَذَا بَيْعًا بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ السَّابِقِ وَأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا.