تَرْكَهُ فِيهِ كُلَّ اللَّيْلِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي زَمَانِنَا وَيَجُوزُ الدَّرْسُ بِسِرَاجِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ مَوْضُوعًا فِيهِ لَا لِلصَّلَاةِ بِأَنْ فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ الصَّلَاةِ وَذَهَبُوا إلَى بُيُوتِهِمْ وَبَقِيَ السِّرَاجُ فِيهِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْرُسَ بِنُورِهِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ لَا بَأْسَ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِتَعْجِيلِهِمْ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُهَا فَلَا يَكُونُ لَهُمْ حَقُّ الدَّرْسِ وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا بَنَوْا مَسْجِدًا وَفَضَلَ مِنْ خَشَبِهِمْ شَيْءٌ قَالُوا يُصْرَفُ الْفَاضِلُ فِي بِنَائِهِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الدُّهْنِ وَالْحُصْرِ هَذَا إذَا سَلَّمُوهُ إلَى الْمُتَوَلِّي لِيَبْنِيَ بِهِ الْمَسْجِدَ وَإِلَّا يَكُونُ الْفَاضِلُ لَهُمْ يَصْنَعُونَ بِهِ مَا شَاءُوا وَلَوْ جَمَعَ مَالًا لِيُنْفِقَهُ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَنْفَقَ بَعْضَهُ فِي حَاجَتِهِ ثُمَّ رَدَّ بَدَلَهُ فِي نَفَقَةِ الْمَسْجِدِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَهُ وَكَانَ يَعْرِفُ صَاحِبَهُ ضَمِنَ لَهُ بَدَلَهُ أَوْ اسْتَأْذَنَهُ فِي صَرْفِ عِوَضِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَهُ بِإِنْفَاقِ بَدَلِهِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَيْهِ قَالُوا نَرْجُو لَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ الْجَوَازَ إذَا أَنْفَقَ مِثْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَرَادُوا نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاؤُهُ أَحْكَمُ مِنْ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْبَانِي مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَهُمْ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي الْحَاوِي وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَسَائِرَ الْمَسَاجِدِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ نَحْوَ الْمَقْبَرَةِ أَوْ الْمِيضَأَةِ أَوْ الْحَمَّامِ وَيُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْبَزْقِ وَالْمَخْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ طَرِيقًا وَيُحَدِّثَ فِيهِ حَدِيثَ الدُّنْيَا أَوْ يُشْهَرَ فِيهِ السِّلَاحُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ بِنَصْلِهِ وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَإِذَا رَأَى حَشِيشَ الْمَسْجِدِ فَرَفَعَهُ إنْسَانٌ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى قِيمَةٍ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي أَوْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْإِمَامِ وَكَذَا الْجَنَائِزُ الْعُتَّقُ أَوْ الْحُصْرُ الْمُقَطَّعَةُ وَالْمَنَابِرُ وَالْقَنَادِيلُ الْمُكَسَّرَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ حِيطَانُ الْمَسْجِدِ أَبْيَضَ غَيْرَ مَنْقُوشَةٍ وَلَا مَكْتُوبٍ عَلَيْهَا وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ مَنْقُوشَةً بِصُوَرٍ أَوْ كِتَابَةٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ أَوْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَالسِّرْدَابُ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِغَرَضِ تَبْرِيدِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمِصْبَاحِ السِّرْدَابُ الْمَكَانُ الضَّيِّقُ يُدْخَلُ فِيهِ وَالْجَمْعُ سَرَادِيبُ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ مَسْجِدًا أَنْ يَكُونَ سُفْلُهُ وَعُلْوُهُ مَسْجِدًا لِيَنْقَطِعَ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السِّرْدَابُ أَوْ الْعُلْوُ مَوْقُوفًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذْ لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ بَلْ هُوَ مِنْ تَتْمِيمِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَسِرْدَابِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ ضَعِيفَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْهِدَايَةِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ بَنَى بَيْتًا عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ لِسُكْنَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا لِأَنَّهُ مِنْ
الْمَصَالِحِ
فَإِنْ قُلْتُ: لَوْ جَعَلَ مَسْجِدًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ قُلْتُ: قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا بَنَى مَسْجِدًا وَبَنَى غَرْفَةً وَهُوَ فِي يَدِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حِينَ بَنَاهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْنِي لَا يَتْرُكُهُ وَفِي جَامِعِ الْفَتْوَى إذَا قَالَ عَنَيْت ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ. اهـ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ فَمَنْ بَنَى بَيْتًا عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَجَبَ هَدْمُهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَسْجِدِ مُسْتَغَلًّا وَلَا مَسْكَنًا وَقَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ خَرَابِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا خَرِبَ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعَمَّرُ بِهِ وَقَدْ اسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ لِخَرَابِ الْقَرْيَةِ أَوْ لَمْ يَخْرَبْ لَكِنْ خَرِبَتْ الْقَرْيَةُ بِنَقْلِ أَهْلِهَا وَاسْتَغْنَوْا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ نَحْوَ الْمَقْبَرَةِ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ كَجِدَارٍ أَمَّا مَعَهُ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي.