تَقْرِيرُ غَيْرِ الْحَنَفِيِّ.
قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ ضَيْعَتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ الْفُقَهَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ إنْ كَانُوا فُقَهَاءَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ تَفَقَّهَ بَعْدَ سِنِينَ لَا يُوقَفُ نَصِيبُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ حُصُولِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْفَقِيهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا. اهـ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{فَصْلٌ} لَمَّا اخْتَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَحْكَامٍ تُخَالِفُ أَحْكَامَ مُطْلَقِ الْوَقْفِ أَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ حَتَّى يُفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ مِلْكُهُ) أَمَّا الْإِفْرَازُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بِهِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ وَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ يُقَامُ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ مَقَامَهُ ثُمَّ يُكْتَفَى بِصَلَاةِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ فِعْلَ الْجِنْسِ يَتَعَذَّرُ فَيُشْتَرَطُ أَدْنَاهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَبْنِيٌّ لِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ وَصَحَّحَهَا الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ قَبْضَ كُلِّ شَيْءٍ وَتَسْلِيمَهُ يَكُونُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ أَمَّا الْوَاحِدُ يُصَلِّي فِي كُلِّ مَكَان.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمِلْكِ الْعَبْدِ فَيَصِيرُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى بِسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُخَالِفٌ لِمُطْلَقِ الْوَقْفِ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ وَلَا التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ وَأَمَّا عِنْدَ الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ وَأَمَّا عِنْدَ الثَّالِثِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي أَطْلَقَ الْوَاحِدَ فَشَمِلَ الْبَانِيَ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِأَجْلِ الْقَبْضِ عَلَى الْعَامَّةِ وَقَبْضُهُ لَا يَكْفِي فَكَذَا صَلَاتُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَمِلَ مَا إذَا صَلَّى وَاحِدٌ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا بَدَلَ قَوْمِهِ وَمَنْ بَنَى لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ سَاحَةٌ لَا بِنَاءَ فِيهَا فَأَمَرَ قَوْمَهُ أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا بِجَمَاعَةٍ قَالُوا إنْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ فِيهَا أَبَدًا أَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ فِيهَا بِالْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَدًا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الْأَبَدَ ثُمَّ مَاتَ لَا يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَإِنْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّأْبِيدِ وَالتَّوْقِيتُ يُنَافِي التَّأْبِيدَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَفَادَ بِاشْتِرَاطِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّ قَبْضَ كُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ كَقَبْضِ الْخَانِ يَكُونُ بِنُزُولِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَارَّةِ فِيهِ بِإِذْنِهِ وَفِي الْحَوْضِ وَالْبِئْرِ وَالسِّقَايَةِ بِالِاسْتِقَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ مَسْجِدًا كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي أَيْضًا يَحْصُلُ تَمَامُ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ تَعَالَى لِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَصْحِيحٍ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَقَيَّدَ بِإِذْنِ الْبَانِي لِأَنَّ مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا جَعَلَ الْمَنْزِلَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمَسْجِدِ مَسْجِدًا وَصَلَّى فِيهِ سِنِينَ ثُمَّ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَأُعِيدَ مَنْزِلًا مُسْتَغَلًّا جَازَ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَإِنْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَشَمَلَ الْمُتَّخَذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مَسْجِدًا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ مَسْجِدًا حَتَّى لَوْ مَاتَ لَا يُورَثُ عَنْهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَهُوَ مَسْجِدٌ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَمَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الصُّفُوفِ وَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَهُوَ وَالْجَبَّانَةُ سَوَاءٌ وَيُجَنَّبُ هَذَا الْمَكَانُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمَسْجِدُ احْتِيَاطًا. اهـ.
فَأَفَادَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي جَعْلِهِ مَسْجِدًا إلَى
(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ)
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا) يَعْنِي وَبِالصَّلَاةِ فِيهِ فَفِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ وَبِالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ يَقَعُ التَّسْلِيمُ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى إنَّهُ إذَا بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا (قَوْلُهُ وَأَفَادَ إلَخْ) دَفَعَ هَذَا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ نَائِبَةٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُتَوَلِّي فَإِذَا صَارَ مَسْجِدًا بِالنَّائِبِ فَبِالْأَصْلِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ أَوْلَى فَلْيُرَاجَعْ.