الْوَاقِفُ لِلْقَيِّمِ تَفْوِيضَ أَمْرِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ مِثْلَ مَا شَرَطَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ فَجَعَلَ الْقَيِّمُ بَعْضَ مَعْلُومِهِ لِرَجُلٍ أَقَامَهُ قَيِّمًا وَسَكَتَ عَنْ الْبَاقِي ثُمَّ مَاتَ يَكُونُ لِوَصِيِّهِ مَا سُمِّيَ لَهُ فَقَطْ وَيَرْجِعُ الْبَاقِي إلَى أَصْلِ الْغَلَّةِ وَلَوْ شَرَطَ الْمَعْلُومَ وَلَمْ يُشْرَطْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِغَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَحَدٍ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَمْرِ الْوَقْفِ وَيَنْقَطِعُ الْمَعْلُومُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَلَوْ وَكَّلَ هَذَا الْقَيِّمُ وَكِيلًا فِي الْوَقْفِ أَوْ أَوْصَى بِهِ إلَى رَجُلٍ وَجَعَلَ لَهُ كُلَّ الْمَعْلُومِ أَوْ بَعْضَهُ ثُمَّ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا يَبْطُلُ تَوْكِيلُهُ وَوِصَايَتُهُ وَمَا جُعِلَ لِلْوَصِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ مِنْ الْمَالِ وَيَرْجِعُ إلَى غَلَّةِ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ أُخْرَى عِنْدَ انْقِطَاعِهِ عَنْ الْقَيِّمِ فَيَنْفُذُ فِيهَا حِينَئِذٍ وَقُدِّرَ الْجُنُونُ الْمُطْبِقُ بِمَا يَبْقَى حَوْلًا لِسُقُوطِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا عَنْهُ وَلَوْ عَادَ عَقْلُهُ عَادَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهَا زَالَتْ بِعَارِضٍ فَإِذَا زَالَ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ.
قَوْلُهُ (وَيُنْزَعُ لَوْ خَائِنًا كَالْوَصِيِّ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُنْزَعَ) أَيْ وَيَعْزِلُ الْقَاضِي الْوَاقِفَ الْمُتَوَلِّيَ عَلَى وَقْفِهِ لَوْ كَانَ خَائِنًا كَمَا يَعْزِلُ الْوَصِيَّ الْخَائِنَ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ وَلَا اعْتِبَارَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَنْ لَا يَعْزِلَهُ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَبَطَلَ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ الْمُتَوَلِّي الْخَائِنِ غَيْرِ الْوَاقِفِ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عَزْلَ الْقَاضِي لِلْخَائِنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَالْإِثْمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ وَلَا شَكَّ فِيهِ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْخَائِنِ وَالسَّارِقِ وَالْغَاصِبِ بِأَنَّ الْخَائِنَ هُوَ الَّذِي خَانَ مَا جُعِلَ عَلَيْهِ أَمِينًا وَالسَّارِقُ مَنْ أَخَذَ خُفْيَةً مِنْ مَوْضِعٍ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَرُبَّمَا قِيلَ كُلُّ سَارِقٍ خَائِنٍ دُونَ عَكْسِهِ وَالْغَاصِبُ مَنْ أَخَذَ جِهَارًا مُعْتَمِدًا عَلَى قُوَّتِهِ اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ وَلَا يُخْرِجُهُ إلَّا بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَإِنَّ لَهُ إدْخَالَ غَيْرِهِ مَعَهُ إذَا طَعَنَ فِي أَمَانَتِهِ وَأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ أَعَادَهُ وَأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ التَّعْمِيرِ خِيَانَةٌ وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْوَقْفَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ تَصَرَّفَهُ تَصَرُّفًا غَيْرَ جَائِزٍ لِمَا بِهِ وَبَيَّنَّاهُ غَايَةَ الْبَيَانِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى نَصْبِ الْقَاضِي الْمُتَوَلِّي
وَإِنَّمَا الْكَلَامُ الْآنَ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ فَقَدْ أَفَادُوا هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شَرْطٍ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فَقَالُوا هُنَا إنَّ اشْتِرَاطَهُ أَنْ لَا يَعْزِلَهُ الْقَاضِي شَرْطٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ مَا هُوَ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ يُعْمَلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَنَصَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: نُصُوصُهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ وَلَفْظَ الْمُوصِي وَالْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ وَلُغَةَ الشَّرْعِ أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ جِهَادٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ وَنَحْوَهُ لَمْ يَصِحَّ. اهـ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ قُلْتُ: وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَ فَمَا كَانَ مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ مِنْ قَبِيلِ الْمُفَسَّرِ لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلًا يُعْمَلُ بِهِ وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الظَّاهِرِ كَذَلِكَ وَمَا اُحْتُمِلَ وَفِيهِ قَرِينَةٌ حُمِلَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ لِتَرَجُّحِ أَحَدِ مَدْلُولَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ وَإِنْ كَانَ حَيًّا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِهِ هَذَا مَعْنَى مَا أَفَادَهُ. اهـ.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ مُبَاشَرَتَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فِيهَا الْعَمَلُ لَا يَأْثَمُ عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ أَوْ يَضُمُّ إلَيْهِ آخَرَ وَقَدَّمْنَا الْجَوَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَزْلِهِ إزَالَةُ ضَرَرِهِ عَنْ الْوَقْفِ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ بِضَمِّ ثِقَةٍ إلَيْهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ (قَوْلُهُ وَإِنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ التَّعْمِيرِ خِيَانَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَا يُعَمَّرُ بِهِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَخِيفَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِتَأْخِيرِ الْعِمَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
[شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ]
(قَوْلُهُ قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَأَرَادَ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيَّ فَإِنَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَزَا هَذَا إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَأَبُو دَاوُد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُفْلِحٍ وَشَيْخُهُ هُوَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَأْيًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنَّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَدَاءَ خِدْمَةٍ كَقِرَاءَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَمَّا الْعَمَلُ أَوْ التَّرْكُ لِمَنْ يَعْمَلُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْمَلْ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي إثْمِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ مِمَّا يَلْزَمُ بِتَعْطِيلِهَا تَرْكُ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ كَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.
وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ هَذَا الشَّارِحُ فِي فَتَاوَاهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّرْفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِمِلْكِهِ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ إمْضَاءً إلَخْ نَقْلًا عَنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلْأَسْيُوطِيِّ مُعَزِّيًا إلَى فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ