مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَفِي وَقْفِ النَّاصِحِي إذَا أَجَّرَ الْوَاقِفُ أَوْ قَيِّمُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ أَمِينُهُ ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ الْغَلَّةَ فَضَاعَتْ أَوْ فَرَّقْتُهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ.
مَا فِي الْقُنْيَةِ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْمُحَاسَبَاتِ لِلنُّظَّارِ إنَّمَا هِيَ لِيَعْرِفَ الْقَاضِي الْخَائِنَ مِنْ الْأَمِينِ لَا لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ النُّظَّارِ لِلْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ وَالْوَاقِعُ بِالْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا الثَّانِي وَقَدْ شَاهَدْنَا فِيهَا مِنْ الْفَسَادِ لِلْأَوْقَافِ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُقَدِّمُ كُلْفَةَ الْمُحَاسَبَةِ عَلَى الْعِمَارَةِ وَالْمُسْتَحَقِّينَ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْمُصَدِّقَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِلْمِ «إذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ لِغَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ» فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ يُبَاحُ لِلْقَاضِي أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى الْمُحَاسَبَاتِ مِنْ مَالِ الْأَوْقَافِ قُلْتُ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَتَبَ الْقَاضِي سِجِلًّا أَوْ تَوَلَّى قِسْمَةً وَأَخَذَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ تَوَلَّى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَكُلَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ وَذَكَرَ عَنْ الْبَقَّالِيِّ فِي الْقَاضِي يَقُولُ إذَا عَقَدْتُ عَقْدَ الْبِكْرِ فَلِي دِينَارٌ وَإِنْ ثَيِّبًا فَلِي نِصْفُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَلَوْ كَانَ وَلِيٌّ غَيْرُهُ يَحِلُّ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرُوا وَلَوْ بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا وَلَوْ أَخَذَ وَأَذِنَ فِي الْبَيْعِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ. اهـ.
فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى نَفْسِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى نَفْسِ الْمُحَاسَبَاتِ لِأَنَّ الْحِسَابَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَوَلَّى نِكَاحَ يَتِيمَةٍ أَوْ بَيْعَ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ اسْتَأْجَرَ كَاتِبًا لِلْحِسَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ أُجْرَتَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ أَبْرَأَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْقَيِّمَ عَنْ نَصِيبِهِ بَعْدَمَا اسْتَهْلَكَهُ لَا يَصِحُّ. اهـ.
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَقْفٌ لَهُ مُتَوَلٍّ وَمُشْرِفٌ لَيْسَ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ ذَاكَ مُفَوَّضٌ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالْمُشْرِفُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ لَا غَيْرُ اهـ.
وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِي مَعْنَى الْمُشْرِفِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا بَيَانُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَنَّ مَا يَجْعَلُهُ الْوَاقِفُ لِلْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُعَيَّنٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ مِنْ الْجُعْلِ عِنْدَ عُقْدَةِ الْوَاقِفِ لِيَقُومَ بِمَصَالِحِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَاسْتِغْلَالٍ وَبَيْعِ غَلَّاتٍ وَصَرْفِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ فِيمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ إلَّا مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ أَمْثَالُهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ عَنْهُ وَأَمَّا مَا تَفْعَلُهُ الْأُجَرَاءُ وَالْوُكَلَاءُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَى امْرَأَةٍ وَجَعَلَ لَهَا أَجْرًا مَعْلُومًا لَا تُكَلَّفُ إلَّا مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ عُرْفًا وَلَوْ نَازَعَ أَهْلُ الْوَقْفِ الْقَيِّمَ وَقَالُوا لِلْحَاكِمِ إنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا جُعِلَ لَهُ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لَا يُكَلِّفُهُ الْحَاكِمُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا تَفْعَلُهُ الْوُلَاةُ فَإِنْ قُلْتُ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ نَاظِرًا وَجَابِيًا وَصَيْرَفِيًّا فَمَا عَمَلُ كُلٍّ مِنْهُمْ قُلْتُ: الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْعُقُودُ وَقَبْضُ الْمَالِ وَظِيفَةُ النَّاظِرِ وَجَمْعُ الْمَالِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِينَ هِلَالِيًّا وَخَرَاجِيًّا وَظِيفَةُ الْجَابِي وَنَقْدُ الْمَالِ وَوَزْنُهُ وَظِيفَةُ الصَّيْرَفِيِّ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلْجَابِي الدَّعْوَى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَفِي وَقْفِ النَّاصِحِيِّ إلَخْ) .
قَالَ الرَّمْلِيُّ سُئِلَ مَوْلَانَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ عَنْ الْمُتَوَلِّي إذَا قَبَضَ غَلَّاتِ الْوَقْفِ وَصَرَفَهَا فِي مَصَالِحِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ يَحْلِفُ أَمْ لَا فَأَجَابَ نَعَمْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا صَرَفَهُ فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ مِنْ النَّفَقَةِ إذَا وَافَقَ الظَّاهِرَ وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ فِي الْوَقْفِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيفِهِ وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ثُمَّ بَعْدَ كِتَابَةِ هَذَا الْجَوَابِ وَقَفْتُ عَلَى جَوَابِ فَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ مُفْتِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ صُورَتُهَا إذَا ادَّعَى الْمُتَوَلِّي دَفْعَ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا شَرْعًا هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا فَكَتَبَ جَوَابَهُ إنْ ادَّعَى الدَّفْعَ لِمَنْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ فِي وَقْفِهِ كَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى الْإِمَامِ بِالْجَامِعِ وَالْبَوَّابِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلْبِنَاءِ فِي الْجَامِعِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ ادَّعَى تَسْلِيمَ الْأُجْرَةِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهُوَ تَفْصِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَلْيُعْمَلْ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ فِي تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ غَيْرَ أَنَّ عُلَمَاءَنَا عَلَى الْإِفْتَاءِ بِخِلَافِهِ أَقُولُ: وَالْجَوَابُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْعِمَادِيُّ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْأُجْرَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهَا شَوْبُ الْأُجْرَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَمُقْتَضَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْوَقْفِ فَالْإِفْتَاءُ بِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مُتَعَيِّنٌ وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ هُوَ تَفْصِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَلْيُعْمَلْ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إذْ يَلْزَمُ مِنْهُ تَضْمِينُ النَّاظِرِ لَهُ إذَا دَفَعَ لَهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ لِتَعَدِّيهِ فَافْهَمْ وَقَوْلُهُ آنِفًا وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا إلَخْ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
(قَوْلُهُ هَلْ لِلْجَابِي الدَّعْوَى إلَخْ) .
قَالَ الرَّمْلِيُّ صَرَّحَ مَوْلَانَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الْجَابِيَ الْمَنْصُوبَ مِنْ جَانِبِ النَّاظِرِ وَكِيلٌ عَنْ النَّاظِرِ فِي الْقَبْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي دَعْوَى الِاسْتِيفَاءِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَكِيلَ الْقَبْضِ