نَصِيبَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ فَمَتَى أَخَذَ رَجَعُوا جَمِيعًا عَلَى الْقَيِّمِ بِمَا اسْتَهْلَكَ الْقَيِّمُ مِنْ حِصَّةِ الْمَحْرُومِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ بَقِيَ ذَلِكَ حَقًّا لِلْجَمِيعِ اهـ.
فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الثَّانِيَةِ شَاءُوا أَوْ أَبَوْا حَيْثُ اخْتَارَ اتِّبَاعَهُمْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصْرِفْ حِصَّةَ الْمَحْرُومِ إلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا صَرَفَ الْغَلَّةَ إلَيْهِمْ وَحَرَمَ وَاحِدًا إمَّا لِعَدَمِ حُضُورِهِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ أَوْ عِنَادًا أَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي وَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ غَلَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ وَظَاهِرُ مَا فِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَتَّبِعُهُمْ فِيمَا أَخَذُوا وَلَا يُعْطَى مِنْ الثَّانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ حَقَّهُ صَارَ فِي ذِمَّتِهِمْ وَالْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ قَضَاءِ دُيُونِهِمْ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْمَحْرُومَ فِي صُورَةِ صَرْفِ الْجَمِيعِ إلَيْهِمْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُتَوَلِّي لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا كَمَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلْمُتَوَلِّي تَفْضِيلُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ قَدْرًا وَتَعْجِيلًا قُلْتُ: فِيهِ تَفْصِيلٌ فَالتَّفْضِيلُ فِي الْقَدْرِ رَاجِعٌ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ أَوْ فُقَرَاءِ قَرْيَتِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا وَإِنْ أَرَادَ الْقَيِّمُ تَفْضِيلَ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنَّ الْوَقْفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَقَرْيَتِهِ وَهُمْ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا يُحْصَوْنَ أَوْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ يُحْصَوْنَ وَالْآخَرُ لَا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَجْعَلَ نِصْفَ الْغَلَّةِ لِفُقَرَاءِ الْقَرَابَةِ وَنِصْفَهَا لِفُقَرَاءِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ فَرِيقٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيُفَضِّلُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا شَاءَ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْقُرْبَةُ وَفِي الصَّدَقَةِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي تُصْرَفُ الْغَلَّةُ إلَى الْفَرِيقَيْنِ بِعَدَدِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْوَصِيَّةُ وَفِي الْوَصِيَّةِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَفِي الثَّالِثِ تُجْعَلُ الْغَلَّةُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَوَّلًا فَتُصْرَفُ إلَى الَّذِينَ يُحْصَوْنَ بِعَدَدِهِمْ وَإِلَى الَّذِينَ لَا يُحْصَوْنَ سَهْمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَنْ يُحْصَى لَهُمْ وَصِيَّةٌ وَلِمَنْ لَا يُحْصَى صَدَقَةٌ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلصَّدَقَةِ وَاحِدٌ ثُمَّ يُعْطِي هَذَا السَّهْمَ مِنْ الَّذِينَ لَا يُحْصَوْنَ مَنْ شَاءَ وَيُفَضِّلُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فِي هَذَا السَّهْمِ. اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَوْقَافَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْفُقَهَاءِ لِلْمُتَوَلِّي التَّفْضِيلُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ بِالْحَاجَةِ أَوْ بِالْفَضِيلَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَأَمَّا التَّعْجِيلُ لِلْبَعْضِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا صَرِيحًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُصَدِّقُ إذَا أَخَذَ عِمَالَتَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ الْقَاضِي اسْتَوْفَى رِزْقَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ جَازَ وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَعِيشَ إلَى الْمُدَّةِ. اهـ.
فَإِنْ قِيلَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَالَ الْوَقْفِ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَصِّصَ أَحَدًا وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ حَقُّ الْعَامَّةِ قُلْتُ: غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَجَبَ لَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَالدَّائِنُ إذَا دَفَعَ لِأَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ غَايَتُهُ أَنَّ الشَّرِيكَ الْغَائِبَ إذَا حَضَرَ خُيِّرَ إنْ شَاءَ اتَّبَعَهُ شَرِيكُهُ وَشَارَكَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْمَدْيُونِ فَكَذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْرُومِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقُنْيَةِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ إمَامٌ وَلَا مُؤَذِّنٌ وَاجْتُمِعَتْ غَلَّاتُ الْإِمَامَةِ وَالتَّأْذِينِ سِنِينَ ثُمَّ نُصِبَ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ لَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّاتِ إلَيْهِمَا وَقَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَوْ عَجَّلُوهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ حَسَنًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُتَوَلِّي لَوْ أُمِّيًّا فَاسْتَأْجَرَ الْكَاتِبَ لِحِسَابِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لِصَرْفِهِ نَصِيبَ الْغَيْرِ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ شُرَكَاءَهُ أَيْ لِأَخْذِهِمْ نَصِيبَهُ (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الثَّانِيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنْ أَرَادَ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَيَرْجِعُوا جَمِيعًا عَلَى الْقَيِّمِ فَمَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَإِنْ أَرَادَ مِنْ غَيْرِ أَنْصِبَائِهِمْ فَالظَّاهِرُ خِلَافُ هَذَا الظَّاهِرِ وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَيْ كَلَامِ الْحَاوِي وَكَلَامِ الْخَانِيَّةِ مُخَالَفَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي) .
قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَهُ إذْ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُمْ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ فَقَوْلُهُ وَصُرِفَ نَصِيبُهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ اتِّفَاقِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ تَأَمَّلْ.
[وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ أَوْ فُقَرَاءِ قَرْيَتِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ]
(قَوْلُهُ وَهُمْ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا يُحْصَوْنَ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالصَّوَابُ الْعَكْسُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ أَوْ يُحْصَوْنَ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ إلَى الْفَرِيقَيْنِ بِعَدَدِهِمْ) أَيْ تُقْسَمُ عَلَى الرُّءُوسِ فَلَوْ كَانَ فُقَرَاءُ الْقَرَابَةِ عِشْرِينَ مَثَلًا وَفُقَرَاءُ الْقَرْيَةِ عَشَرَةً تُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ نِصْفَيْنِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ لَا عَلَى الرُّءُوسِ لِكَوْنِهِمْ لَا يُحْصَوْنَ وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَتُقْسَمُ الْغَلَّةُ نِصْفَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ يُقْسَمُ نِصْفُ مَنْ يُحْصَوْنَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ بِلَا تَفْضِيلٍ وَنِصْفُ مَنْ لَا يُحْصَوْنَ يُعْطَى لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْرُومِ) .
قَالَ الرَّمْلِيُّ قُدِّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْرُومِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَّبِعَ الْمُتَوَلِّيَ فَيُضَمِّنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَّبِعَهُمْ لَكِنَّهُ خَصَّ ذَلِكَ بِمَا إذَا حَرَمَهُ وَصَرَفَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لَا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْفِقْهِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِ الْغَيْرِ وَالدَّافِعُ مُتَعَدٍّ بِالدَّفْعِ وَالْآخِذُ بِالْأَخْذِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا تَأَمَّلْ.