إذْ «لَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ» فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ.
وَالرَّابِعُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُوقَفَ أَرْضُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَمْ تَخْرُجْ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهَا تُوقَفُ كُلُّهَا وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَمِقْدَارُ الثُّلُثِ يُوقَفُ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَإِنْ خَرَجَتْ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِهِ وَفِيهَا نَخْلٌ فَأَثْمَرَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ وَقْفِ الْأَرْضِ دَخَلَتْ الثَّمَرَةُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَصْلٍ مَشْغُولٍ بِحَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَثْمَرَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَتِلْكَ الثَّمَرَةُ تَكُونُ مِيرَاثًا. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ مَعَ بَيَانِ حُكْمِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِالْوَقْفِ
قَوْلُهُ (وَلَا يَتِمُّ حَتَّى يَقْبِضَ وَيُفْرِزَ وَيَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) بَيَانٌ لِشَرَائِطِهِ الْخَاصَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ مَشَى الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَثَانِيًا فِي الشَّرَائِطِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي لُزُومِهِ بِلَا قَضَاءٍ كَمَا قَدَّمْنَا وَإِذَا لَزِمَ عِنْدَهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ بِجَامِعِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالْإِفْرَازِ وَالتَّأْبِيدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ مَقْصُودًا وَقَدْ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَوْ قَالَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ لِلْمَسْجِدِ لَا تَكُونُ لَهُ مَا لَمْ يُسْلِمْهَا إلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمَشَايِخِ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوْجَهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَفِي الْمُنْيَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَأَمَّا الْبُخَارِيُّونَ فَأَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ يَقُولُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَقْوَى إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْآثَارِ يَعْنِي مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ وَقْفَهُ فِي يَدِ حَفْصَةَ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَرَدَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ لِيَتِمَّ الْوَقْفُ بَلْ لِشُغْلِهِ وَخَوْفِ التَّقْصِيرِ إلَى آخِرِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْإِمَامُ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ضَيَّقَ ثُمَّ وَسَّعَ كُلَّ التَّوَسُّعِ حَتَّى قَالَ يَتِمُّ بِقَوْلِهِ وَقَفْت وَمَشَايِخُ خُوَارِزْمَ أَخَذُوا بِقَوْلِهِ عَلَى مَا حَكَاهُ نَجْمٌ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ وَمُحَمَّدٌ تَوَسَّطَ وَبِقَوْلِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْفَتَاوَى اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرْجِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَحْوَطُ وَأَسْهَلُ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَمَشَايِخُنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسَائِلُ الْأُولَى لَوْ عَزَلَ الْوَاقِفُ الْقَيِّمَ وَأَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِهِ بِلَا شَرْطٍ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْعَزِلُ وَالْوِلَايَةُ لِلْقِيَمِ.
الثَّانِيَةُ لَوْ مَاتَ وَلَهُ وَصِيٌّ فَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيِّهِ وَالْوِلَايَةُ لِلْقَيِّمِ الثَّالِثَةُ لَوْ تَوَلَّاهُ الْوَاقِفُ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ الْقَيِّمَ فِي حَيَاتِهِ وَيُوَلِّيَ غَيْرَهُ أَوْ يَرُدَّ النَّظَرَ إلَى نَفْسِهِ وَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَ وِلَايَةُ الْقَيِّمِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَكِيلِهِ وَأَمَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ فِي عَزْلِ الْقُوَّامِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِمْ لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يُخِلُّ بِشَرَائِطِ الْوَاقِفِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ بَاطِلَانِ. اهـ.
وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَوَلِّي نَصْبًا وَتَصَرُّفًا وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي اشْتِرَاطَ الْإِفْرَازِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمُشَاعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ جَائِزٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَمَنْ شَرَطَهُ لَمْ يُجَوِّزْ وَقْفَ الْمُشَاعِ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ جَوَّزَهُ وَالْخِلَافُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا اعْتِبَارًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْهِبَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَشَى الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَهُ أَوَّلًا عَلَى بَيَانِ مَسْأَلَةٍ إجْمَاعِيَّةٍ هِيَ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَضَاءِ يَزُولُ أَمَّا إذَا خَلَا عَنْ الْقَضَاءِ فَلَا يَزُولُ بَعْدَ هَذِهِ الشُّرُوطِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ إلَخْ) سَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَرَقَةِ الْعِشْرِينَ