بِالْإِضَافَةِ فَمَالِكُ الشَّيْءِ وَمُسْتَحِقُّهُ أَوْ صَاحِبُهُ وَأَنْفَذَ الْأَمْرَ قَضَاهُ وَالنَّافِذُ الْمَاضِي فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ) أَيْ نُدِبَ الْتِقَاطُهَا لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحِ حِينَ سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ فَذَرْهَا حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا فَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ إذْ ذَاكَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ لَا تَصِلُ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَأْمَنُ مِنْ وُصُولِ يَدٍ خَائِنَةٍ إلَيْهَا بَعْدَهُ فَفِي أَخْذِهَا إحْيَاؤُهَا وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الصِّحَّةَ بِالنَّدْبِ لِأَنَّ خِلَافَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ فِي نَدْبِ الْتِقَاطِهَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا تَرْكُهَا أَفْضَلُ لَا أَنَّهُمْ قَالُوا بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَنْدُوبًا عِنْدَنَا إذَا لَمْ يَخَفْ الضَّيَاعَ وَإِلَّا لَمْ يَسَعْهُ تَرْكُهُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبَهِيمَةُ فِي الْقَرْيَةِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ الثَّانِي وَالْحِذَاءُ النَّعْلُ وَالسِّقَاءُ الْقِرْبَةُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَشَافِرُهَا وَبِالْأَوَّلِ فَرَاسِنُهَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ كَانَ مَعَ اللُّقَطَةِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْقَرْنِ لِلْبَقَرَةِ وَزِيَادَةُ الْقُوَّةِ فِي الْبَعِيرِ بِكَدْمِهِ وَنَفْحِهِ يُقْضَى بِكَرَاهِيَةِ الْأَخْذِ اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْتِقَاطَ الْبَهِيمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ أَنَّ صُورَةَ الْكَرَاهَةِ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا وَفِي الْقَامُوسِ الْبَهِيمَةُ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعٍ وَلَوْ فِي الْمَاءِ أَوْ كُلُّ حَيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَالْجَمْعُ بَهَائِمُ اهـ.
فَشَمِلَ الدَّوَابَّ وَالطُّيُورَ وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالدَّجَاجَ وَالْحَمَامَ الْأَهْلِيَّ كَمَا فِي الْحَاوِي وَفِيهِ وَمَنْ رَأَى دَابَّةً فِي غَيْرِ عِمَارَةٍ أَوْ بَرِّيَّةً لَا يَأْخُذُهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا ضَالَّةٌ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بَيْتٌ مَدَرًا وَشَعْرًا وَقَافِلَةٌ نَازِلَةٌ أَوْ دَوَابُّ فِي مَرْعَاهَا اهـ.
فَلَوْ وَصَفَ الْمُصَنِّفُ الْبَهِيمَةَ بِالضَّالَّةِ لَكَانَ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَيَّدَ بِالْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَمَالُ الْيَتِيمِ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ اشْتَرَى لَهُ الْوَصِيُّ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً بِشَهَادَةِ شُهُودٍ رَجَعَ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ خَادِمًا لِوَلَدِهِ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ شَرَاهُ لَهُ لِيَرْجِعَ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَقَيَّدَ حُكْمَ قَضَاءِ مَدْيُونِ الْمَيِّتِ دَيْنَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ وَصِيِّهِ وَقَضَاءِ الْمُودِعِ دَيْنَ مُودِعِهِ بِلَا أَمْرٍ وَقَضَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِمُوَكِّلِهِ بِلَا أَمْرِهِ.
(قَوْلُهُ وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا) لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ وَعَلَى اللَّقِيطِ نَظَرًا لَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ بِالْإِنْفَاقِ وَصُورَةُ إذْنِ الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْفِقْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ فَلَوْ أَمَرَهُ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ لَا يَكُونُ دَيْنًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحِسْبَةِ وَالرُّجُوعِ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِالشَّكِّ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَحْسَنُ وَهِيَ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ كَانَ مُتَبَرِّعًا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْقَاضِي بِشَرْطِ الرُّجُوعِ أَوْ يُصَدِّقَهُ اللَّقِيطُ إذَا بَلَغَ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ تَصْدِيقُهُ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَرْجِعَ لَا تَصْدِيقُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ لَهُ فَتَصْدِيقُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَفِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْمَلَكِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَأْمُرْ الْقَاضِي بِإِنْفَاقِهِ فَصَدَّقَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنَّهُ أَنْفَقَهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحَقِّهِ اهـ.
وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَزِمَ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ أَوْ يُصَدِّقَهُ عَلَى ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا اعْتِبَارَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْقَاضِي لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَكْفِيهِ الْإِشْهَادُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَأَشْهَد يَرْجِعُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ لَكِنِّي فَهِمْته مِمَّا نَقَلْته عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ اللَّقِيطِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمَدْيُونَ لِتَعَدُّدِهِ فَفِي اللُّقَطَةِ صَاحِبُهَا وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَشْيٍ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الصِّحَّةَ بِالنَّدْبِ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَ الصِّحَّةَ بِالْجَوَازِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الصِّحَّةِ بِمَعْنَى الْمَنْدُوبِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهِمْ وَعَلَى مَا قَرَّرْنَا جَرَى الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ اهـ.
قُلْتُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الصِّحَّةَ تُجَامِعُ الْإِبَاحَةَ وَالنَّدْبَ وَغَيْرَهُمَا فَلَمَّا كَانَتْ كَذَلِكَ بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا هُنَا النَّدْبُ لِمَا قَالَهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْسِيرُهُ مَعْنَى الصِّحَّةِ بِمَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا لُغَوِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا. (قَوْلُهُ فَلَوْ وَصَفَ الْمُصَنِّفُ الْبَهِيمَةَ بِالضَّالَّةِ لَكَانَ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ لَفْظَ الِالْتِقَاطِ يُغْنِي عَنْهُ.
[الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ]
(قَوْلُهُ وَأَشْهَدَ يَرْجِعُ) أَيْ وَإِنْ فُقِدَ إذْنُ الْقَاضِي.