يَثْبُتُ قَصْدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَطْلَقَهُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُبَرْهِنْ اسْتِحْسَانًا لِمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ انْفَرَدَ رَجُلٌ بِالدَّعْوَى وَقَالَ هُوَ غُلَامٌ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ أَوْ قَالَ هُوَ جَارِيَةٌ فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ لَا يُقْضَى لَهُ أَصْلًا اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ حَالَةَ الْحَيَاةِ أَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِذَا مَاتَ اللَّقِيطُ وَتَرَكَ مَالًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ فَادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ اثْنَيْنِ) أَيْ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا وَلَا مُرَجِّحَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ وَلَدِي مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا قَيَّدَ بِالِاثْنَيْنِ لِأَنَّ فِيمَا زَادَ عَلَى الِاثْنَيْنِ اخْتِلَافًا فَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ جَوَّزَ إلَى خَمْسَةٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أُجَوِّزُ الثَّلَاثَةَ وَلَا أُجَوِّزُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَمْ أَرَ تَوْجِيهَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الرَّجُلِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ كَانَ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ صَحَّتْ دَعْوَتُهَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ إحْدَاهُمَا الْبَيِّنَةَ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ أَقَامَتَا جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا يُجْعَلُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ إنَّمَا يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ مُنْكِرٌ لِلْوِلَادَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا لَوْ أَقَامَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلَيْنِ وَالْأُخْرَى امْرَأَتَيْنِ يَجْعَلُ ابْنًا لِلَّذِي شَهِدَ لَهَا رَجُلَانِ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ اللَّقِيطَ أَنَّهُ ابْنُهُمَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِيرُ وَلَدُهُمَا مِنْ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَا لَا يَصِيرُ وَلَدَهُمَا وَلَا وَلَدَ الرَّجُلَيْنِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلَانِ ادَّعَيَا نَسَبَ اللَّقِيطِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُقْضَى لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ سِنُّ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ سِنُّ الصَّبِيِّ مُشْتَبِهًا لَمْ يُوَافِقْ كُلًّا مِنْ التَّارِيخَيْنِ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّارِيخِ وَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ ذَكَرَ خواهر زاده أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُقْضَى لِأَقْدَمْهُمَا تَارِيخًا اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمَا ادَّعَيَاهُ مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ وَلَوْ ادَّعَى الْآخَرُ بَعْدَهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَصْفِ مِنْ الثَّانِي مَعَ سَبْقِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ فَهُوَ أَوْلَى فَيُقَدَّمُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْخَارِجِ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَيُحْكَمُ لِلذِّمِّيِّ وَبِإِسْلَامِ الْوَلَدِ وَيُقَدَّمُ مَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَرْهِنْ مِنْ الْخَارِجِينَ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيُّ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ الْمُرَجِّحِ تَقْدِيمَ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ وَذَكَرُوهُ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا التَّرْجِيحُ بِالْعَلَامَةِ فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) يَعْنِي إذَا وَافَقَهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِمُوَافَقَةِ الْعَلَامَةِ كَلَامَهُ قَيَّدَ بِاللَّقِيطِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَلَامَةِ فِي اللُّقَطَةِ لَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَ التَّنَازُعِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ وُجِدَ فِي اللَّقِيطِ وَهُوَ الدَّعْوَةُ دُونَ اللُّقَطَةِ وَكَذَا لَوْ تَنَازَعَ خَارِجَانِ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَذَكَرَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فَإِنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لَهُ وَقَيَّدْنَا بِالْمُوَافَقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا الْعَلَامَةَ وَلَمْ يُصِبْ فَلَا تَرْجِيحَ وَهُوَ ابْنُهُمَا وَكَذَا لَوْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ فِي الْبَعْضِ وَأَخْطَأَ فِي الْبَعْضِ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَإِنْ وَصَفَا وَلَمْ يُصِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا وُجُودَ لِهَذَا التَّقْيِيدِ فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ مَعًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ هُوَ وَلَدِي مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَ وَلَدًا لَهُمَا وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يُفِيدُ تَقْيِيدًا أَصْلًا ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَةً أُخْرَى قُضِيَ بِالْوَلَدِ بَيْنَهُمَا وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَثْبُتُ وَقَالَ قَبْلَهُ لَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ مُعَيِّنَةً أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِيرُ وَلَدُهُمَا مِنْ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَا يَصِيرُ وَلَدُهُمَا لَا وَلَدَ الرَّجُلَيْنِ اهـ.
وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنَّ اتِّحَادَ الْوَالِدَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي ثُبُوتِهِ مِنْ مُتَعَدِّدٍ نَعَمْ الْمَذْكُورُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَلَدَهُمَا وَلَا وَلَدَ الرَّجُلَيْنِ