الثَّوْبَ وَلَا يُقْطَعُ وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَطَعَ مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ نِصَابًا بَعْدَ الشَّقِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَأَخْرَجَهَا لَا) أَيْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَاوَتْ نِصَابًا بَعْدَ الذَّبْحِ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَنَعَ الْمَسْرُوقُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا) أَيْ لَوْ صَنَعَ السَّارِقُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَصْلُهُ فِي الْغَصْبِ فَهَذِهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَقِيلَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ صُنِعَ الْمَسْرُوقُ مِنْ النَّقْدِ آنِيَةً كَانَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِالنَّقْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَالصُّفْرَانِ جَعَلَهُ أَوَانِيَ، فَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا فَهُوَ لِلسَّارِقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا تَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يُرَدُّ وَلَا يَضْمَنُ) بَيَانٌ لِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْأَوَّلُ وُجُوبُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ السَّارِقِ بِاعْتِبَارِ سَرِقَةِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ أَبْيَضَ بِوَجْهٍ مَا، وَالْمَمْلُوكُ لِلسَّارِقِ إنَّمَا هُوَ الْمَصْبُوغُ فَصَارَ كَمَا إذَا سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْحِنْطَةِ، وَإِنْ مَلَكَ الدَّقِيقَ الثَّانِي: عَدَمُ رَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْغَصْبِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُ الثَّوْبِ أَصْلًا قَائِمًا وَكَوْنُ الصَّبْغِ تَابِعًا وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ مَصْبُوغًا يَضْمَنُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ الْحُكْمُ الثَّالِثُ الَّذِي أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ أَيْ لَا يَرُدُّهُ حَالَ قِيَامِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ حَالَ اسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ لِمَا ذَكَرْنَا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ صَبَغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ فَاءِ التَّعْقِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الصَّبْغَ بَعْدَ الْقَطْعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ.
وَهُوَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ قَبْلُ لَا قَطْعَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ سَرَقَ الثَّوْبَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْوَدَ يُرَدُّ) أَيْ لَوْ صَبَغَهُ السَّارِقُ أَسْوَدَ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ لَكِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَقُّ الْمَالِكِ لِمَا مَرَّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ قَالُوا: وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فِي زَمَنِهِ وَيَلْبَسُونَهُ فِي زَمَنِهِمَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ سَرَقَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ فَهُوَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّبْغِ الْأَحْمَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَيَانٌ لِلسَّرِقَةِ الْكُبْرَى وَإِطْلَاقُ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ مَجَازٌ وَلِذَا لَزِمَ التَّقْيِيدُ بِالْكُبْرَى قَالُوا: إنَّ الشَّرَائِطَ الْمُخْتَصَّةَ بِهَا ثَلَاثَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ أَوْ وَاحِدٌ كَذَلِكَ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِصْرٍ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ كَمَا بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ أَوْ الْقَرْيَتَيْنِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَيَتَحَقَّقُ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِمَصْلَحَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْفَتْحِ.
[سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَأَخْرَجَهَا]
(قَوْلُهُ: وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ لَمْ يَرُدَّهُ تَأَمَّلْ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ سَرَقَ الثَّوْبَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ.
وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَكِنْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ صَبَغَهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَمِنْ أَيْنَ يُفِيدُ كَوْنُ الصَّبْغِ بَعْدَ الْقَطْعِ تَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ مَا عَزَاهُ إلَى الْهِدَايَةِ لَيْسَ عِبَارَتَهَا، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ هَكَذَا، فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ قُطِعَ إلَخْ.
[بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ]