دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَأَمَّا الْمُمَاثَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً وَكَذَا الْمُمَاثَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ لَا يُقْطَعُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى.

وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيَّ يُطْلِقَانِ أَخْذَ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ الْمُجَانَسَةَ فِي الْمَالِيَّةِ وَمَا قَالَا هُوَ الْأَوْسَعُ وَيَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبَنَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُعْذَرُ فِي الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ اهـ.

وَقَيَّدَ بِسَرِقَةِ الدَّائِنِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَوْ الْعَبْدَ إذَا سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ الْمَوْلَى قُطِعَ إلَّا إنْ كَانَ الْمَوْلَى وَكَّلَهُمَا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ حِينَئِذٍ لَهُمَا وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ أَوْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُقْطَعُ (قَوْلُهُ وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُتَكَامِلَةٌ كَالْأُولَى بَلْ أَقْبَحُ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ أَوْجَبَ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نُظِرَ إلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ، وَالْمَحَلِّ وَقِيَامِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْجِنَايَةِ فِيهِ نَادِرٌ لِتَحَمُّلِهِ مَشَقَّةَ الزَّاجِرِ فَتُعَرَّى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ مِثْلُ مَا لَوْ كَانَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَعَلَى هَذَا الصُّوفُ، وَالْقُطْنُ، وَالْكَتَّانُ وَكُلُّ عَيْنٍ أَحْدَثَ الْمَالِكُ فِيهِ صُنْعًا بَعْدَ الْقَطْعِ لَوْ أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ وَأُطْلِقَ فِي التَّغَيُّرِ فَشَمِلَ الْمَعْنَوِيَّ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بَعْدَ الْقَطْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَسَرَقَهُ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ السَّبَبِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ عِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ فَسَرَقَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وُجُوبَ الْقَطْعِ بِالْأَوْلَى

(قَوْلُهُ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السَّاجِ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ، وَالْفُصُوصِ الْأَخْضَرِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَاللُّؤْلُؤِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَهِيَ مُحْرَزَةٌ لَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ لَا قَطْعَ فِي الْعَاجِ مَا لَمْ يُعْمَلْ فَإِذَا عُمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُطِعَ فِيهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْعُودِ، وَالْمِسْكِ، وَالْأَدْهَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْعَنْبَرِ بِالْأَوْلَى وَفِي طُلْبَةِ الطَّلَبَةِ قَالَ جَارُ اللَّهِ الْعَلَّامَةُ السَّاجُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ يَعْلُوهُ الْحُمْرَةُ وَهُوَ صُلْبٌ كَالْحَجَرِ وَلَا يَكُونُ هَذَا الْأَبَنُوسُ إلَّا فِي بِلَادِ الْهِنْدِ وَدُورُ سَادَاتِ مَكَّةَ مِنْ هَذَا السَّاجِ. اهـ.

وَالْقَنَا خَشَبُ الرِّمَاحِ جَمْعُ قَنَاةٍ وَأَلِفُهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْوَاوِ، وَالْأَبَنُوسُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الزُّجَاجَ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ فَكَانَ نَاقِصًا فِي الْمَالِيَّةِ (قَوْلُهُ، وَالْأَوَانِي، وَالْأَبْوَابُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْخَشَبِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحْرَزُ بِخِلَافِ الْحَصِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِ لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ حَتَّى يُبْسَطَ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْحُصُرِ الْبَغْدَادِيَّةِ يَجِبُ الْقَطْعُ فِي سَرِقَتِهَا لِغَلَبَةِ الصَّنْعَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْخَشَبِ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَوَانِي، وَالْأَبْوَابِ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَانِيَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْ الْحَشِيشِ، وَالْقَصَبِ لَا قَطْعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهِ حَتَّى لَا تَتَضَاعَفَ قِيمَتُهُ وَلَا تُحْرَزُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْغَلَبَةُ فِيهِ لِلصَّنْعَةِ كَالْأَوَانِي الَّتِي تُتَّخَذُ لِلَّبَنِ، وَالْمَاءِ مِنْ الْحَشِيشِ فِي بِلَادِ السُّودَانِ يُقْطَعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَأُطْلِقَ فِي الْأَبْوَابِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ مُرَكَّبًا لِيَكُونَ حِرْزًا

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى) أَيْ وَفِي الْمُجْتَبَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015