مُتَعَدِّيَةٌ، وَالْإِقْرَارُ قَاصِرٌ وَلِلْإِقْرَارِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فَلَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَا بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَخْرَسِ لَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَدَّعِي شُبْهَةً كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مَجْنُونٍ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخَصِيُّ، وَالْعِنِّينُ وَعَلَى هَذَا فَيُزَادُ فِي تَعْرِيفِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ بَعْدَ قَوْلِهِ مُكَلَّفٌ نَاطِقٌ لَمَّا عَلِمْت أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لَا بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِبَيِّنَةٍ. الثَّانِي أَنْ لَا يَظْهَرَ كَذِبُهُ فِي إقْرَارِهِ فَلَوْ أَقَرَّ فَظَهَرَ مَجْبُوبًا أَوْ أَقَرَّتْ فَظَهَرَتْ رَتْقَاءَ وَذَلِكَ بِأَنْ تُخْبِرَ النِّسَاءُ بِأَنَّهَا رَتْقَاءُ قَبْلَ الْحَدِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُنَّ بِالرَّتْقِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَبِالشُّبْهَةِ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ أَقَرَّتْ بِأَخْرَسَ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ السَّكْرَانُ إذَا سَرَقَ أَوْ زَنَى فِي حَالِ سُكْرِهِ يُحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ بِالسَّرِقَةِ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَالْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَاعْتُبِرَ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي حَالِ سُكْرِهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ لَا غَيْرُ اهـ.
وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ سَوَاءٌ قَالَتْ إنَّهُ تَزَوَّجَنِي أَوْ لَا أَعْرِفُهُ أَصْلًا وَيُقْضَى بِالْمَهْرِ عَلَيْهِ إنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ.
وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَا بِفُلَانٍ وَكَذَّبَهَا الرَّجُلُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ أَصْلًا أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَتَى لَمْ يَجِبْ عَلَى الرَّجُلِ أَصْلًا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ انْعَقَدَ فِعْلُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَكِنْ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْهُ لِمَعْنًى عَارِضٍ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ بُلُوغَ الْمُقِرِّ وَعَقْلَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُمَا شُرِطَا لِكُلِّ تَكْلِيفٍ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْحُرِّيَّةُ فَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا وَكَذَا الْقَطْعُ، وَالْقِصَاصُ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بَيْنَ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ وَحُجَّةِ الْإِقْرَارِ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا أُعْتِقَ زَنَيْت وَأَنَا عَبْدٌ لَزِمَهُ حَدُّ الْعَبِيدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ أَرْبَعًا «لِحَدِيثِ مَاعِزٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ» فَلِهَذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ؛ لِأَنَّ لِاتِّحَادِهِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَعِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِيهِ، وَالْعِبْرَةُ لِمَجْلِسِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِهِ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفَسَّرَ مُحَمَّدٌ الْمَجَالِسَ الْمُتَفَرِّقَةَ أَنْ يَذْهَبَ الْمُقِرُّ بِحَيْثُ يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِ الْقَاضِي وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ لَهُ الْكَرَاهِيَةَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِإِبْعَادِهِ عَنْ مَجْلِسِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَقَرَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنَّهُ يُحَدُّ اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارِ إلَى أَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ، وَالشَّهَادَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالذَّخِيرَةِ أَرْبَعَةٌ فَسَقَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَقَرَّ هُوَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يُحَدُّ وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ عُدُولًا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يُحَدُّ وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُحَدُّ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحَدُّ اهـ.
قَوْلُهُ (وَسَأَلَهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ بَيَّنَهُ حُدَّ) أَيْ سَأَلَ الْحَاكِمُ الْمُقِرَّ عَنْ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلِاحْتِمَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ بَيَّنَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ أَقَرَّتْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ حُدَّ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ انْتِظَارَ حُضُورِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَذْكُرَ مُسْقِطًا عَنْهُ وَعَنْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قَالَ شَيْخُنَا تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي بِالْفَرْقِ حَيْثُ قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يُحَدُّ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يُنْكِرَ الْغَائِبُ الزِّنَا أَوْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الزِّنَا أَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ يَكُونُ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ اهـ.
قَالَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فَارِقًا لِمَا أَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ ثَابِتَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ دَعْوَى الْخَرْسَاءِ عَلَى فَرْضِ نُطْقِهَا مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ هُوَ الشُّبْهَةُ وَجَوَازُ أَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ أَبْدَتْهُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاجُ إلَى إبْدَاءِ الْفَرْقِ بَاقِيًا اهـ. بِلَفْظِهِ.
وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الْحَدِّ لِجَوَازِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَجْحَدَ فَتَدَّعِيَ حَدَّ الْقَذْفِ أَوْ تَدَّعِيَ نِكَاحًا فَتَطْلُبَ الْمَهْرَ وَفِي حَدِّهِ إبْطَالُ حَقِّهَا وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُحَدَّ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ أَنَّهُ حُدَّ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ لِلدَّلِيلِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَوْ زَنَا بِخَرْسَاءَ لِوُرُودِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَمَتَى لَمْ يَجِبْ عَلَى الرَّجُلِ أَصْلًا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِزِنَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِزِنَا الْمُكْرَهِ بِالْمُطَاوَعَةِ وَالْمُسْتَأْمَنِ بِالذِّمِّيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ اهـ.
لَكِنْ احْتَرَزَ هُنَا عَنْ الْأَوَّلِ