شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ فَهُوَ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةً يَعْنِي مَا لَهُ عَلَى فُلَانٍ فَقَبَضَ تِسْعَةً فَوَهَبَهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ قَبَضَ الدِّرْهَمَ الْبَاقِيَ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالدِّرْهَمِ الْبَاقِي وَيَضْمَنُ مِثْلَ مَا وَهَبَ وَيَتَصَدَّقُ بِالضَّمَانِ. وَلَوْ قَالَ لَا أَتْرُكُك حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَطَلَبَ إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهُ فَقَالَ قَدْ تَرَكْتُك ثُمَّ أَبَى أَنْ يَخْرُجَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِقَوْلِهِ تَرَكْتُك. اهـ.
قَوْلُهُ (لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَعَمَّ الِامْتِنَاعُ ضَرُورَةَ عُمُومِ النَّفْيِ. قَيَّدَ بِكَوْنِ الْيَمِينِ مُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ قَبْلَ الْفِعْلِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ تَرْكَ الْفِعْلِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرِّ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا أَنَّهَا يَمِينُ النَّفْيِ وَتَكُونُ لَا مُقَدَّرَةً وَلَيْسَتْ لِلْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُ نُونِ التَّوْكِيدِ وَلَامِهِ فِي الْإِثْبَاتِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْحَلُّ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ سَهْوٌ بَلْ تَنْحَلُّ فَإِذَا حَنِثَ بِفِعْلِهِ مَرَّةً لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ ثَانِيًا (قَوْلُهُ: لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِمَرَّةٍ) أَيْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا تَرَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ فِعْلٌ وَاحِدٌ غَيْرُ عَيْنٍ إذْ الْمَقَامُ مَقَامَ الْإِثْبَاتِ فَيَبَرُّ بِأَيِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْهُ وَذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْيَمِينِ مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً، وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْإِمْكَانُ بَاقِيًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَحْنَثْ إنْ لَمْ يَبْقَ بِأَنْ وَقَعَ الْيَأْسُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا مَاتَ الْفَاعِلُ أَوْ فَاتَ الْمَحَلُّ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فِي آخَرِ الْوَقْتِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحَلِّ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ إنْ فَعَلْت كَذَا مَا دُمْت بِبُخَارَى فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَخَرَجَ مِنْ بُخَارَى ثُمَّ رَجَعَ فَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى الْيَمِينُ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ النَّبِيذَ مَا دَامَ بِبُخَارَى، وَفَارَقَ بُخَارَى ثُمَّ عَادَ فَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا عَنَى بِقَوْلِهِ مَا دُمْت بِبُخَارَى أَنْ تَكُونَ بُخَارَى وَطَنًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ كَوْنَهُ بِالْكُوفَةِ غَايَةً لِيَمِينِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْهَا.
قَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَّفَهُ وَالٍ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلْدَةَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ تَصِيرُ مُقَيَّدَةً مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقَةٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَقْصُودُ الْمُسْتَحْلِفِ دَفْعَ شَرِّهِ أَوْ شَرِّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ، وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالدَّاعِرُ بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ كُلُّ مُفْسِدٍ وَجَمْعُهُ دُعَّارٌ مِنْ الدَّعْرِ، وَهُوَ الْفَسَادُ، وَمِنْهُ دَعِرَ الْعُودَ يَدْعَرُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي، وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا فَسَدَ، وَإِذَا تَقَيَّدَتْ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِعَزْلِهِ فَلَا تَعُودُ بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي.
وَفِي التَّبْيِينِ: ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ الدَّاعِرُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ بَلْ بِالْيَأْسِ عَنْ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ حَكَمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا اُنْظُرْ إلَى الْمَقْصُودِ، وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّعَرُ يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ، وَفَوْرُ عِلْمِهِ بِهِ. اهـ.
وَلَيْسَ الْعُمُومُ فِي قَوْلِهِ بِكُلِّ دَاعِرٍ عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كُلُّ دَاعِرٍ يَعْرِفُهُ أَوْ فِي بَلَدِهِ أَوْ دَخَلَ الْبَلَدَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَسَائِلَ مِنْهَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِالْخُرُوجِ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ، وَوِلَايَةُ الْمَنْعِ حَالٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَوْ الْكَفِيلُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْأَمْرِ قُلْتُ: لَكِنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي لِلْمُصَنِّفِ أَوْ الْكَفِيلُ بِأَمْرٍ الْمَكْفُولَ عَنْهُ فَالْكَفِيلُ بِالرَّفْعِ وَبِأَمْرٍ مُنَوَّنٍ بِدُونِ إضَافَةٍ وَالْمَكْفُولُ بِالنَّصْبِ، وَعَلَيْهِ وَالتَّقْيِيدُ لَهُ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَهُ الرُّجُوعُ فَهُوَ كَرَبِّ الدَّيْنِ فَلَوْ حَلَفَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ كَانَ لَهُ فَائِدَةٌ مَا دَامَتْ كَفَالَتُهُ بَاقِيَةً تَأَمَّلْ