لِعَبْدِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ فَكَانَ سُدُسُ رَقَبَتِهِ دَاخِلًا فِي الْوَصِيَّةِ فَأَمَّا الْجُزْءُ عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ مُبْهَمٍ وَالتَّعْيِينُ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ فَلَمْ تَكُنْ الرَّقَبَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْوَصِيَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُنَا جُزِمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: لَوْ قَالَ مَرِيضٌ أَعْتِقُوا فُلَانًا بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَحَّ الْإِيصَاءُ وَفُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ: هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ لَا يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَمْرًا بِالْإِعْتَاقِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأُمُورِ بَاطِلٌ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إيجَابٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيجَابِ صَحِيحٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَكَمَا فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُدَبَّرُ لَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُبَاعُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا سَبَبَ غَيْرُهُ ثُمَّ جَعْلُهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى لِوُجُودِهِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَالُ بُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ قَائِمٌ قَبْلَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ، وَالْيَمِينُ مَانِعٌ، وَالْمَنْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَأَمْكَنَ تَأْخِيرُ السَّبَبِ إلَى زَمَانِ الشَّرْطِ لِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ فَافْتَرَقَا وَلِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ خِلَافَةٌ فِي الْحَالِ لِوِرَاثَةِ، وَإِبْطَالُ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْبَيْعِ وَمَا يُضَاهِيهِ ذَلِكَ أَرَادَ بِالْبَيْعِ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ وَبِالْهِبَةِ الْإِخْرَاجَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمِلْكِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَقَعُ فِي الْحُرِّ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْإِمْهَارِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ هَذَا السَّبَبَ يُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْهُ اهـ.
فَلِذَا لَا تَجُوزُ الْوِصَايَةُ بِهِ وَلَا رَهْنُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ مِنْ بَابِ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ عِنْدَنَا فَكَانَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَتَمَلُّكِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِينَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِرَهْنٍ شَرْطٌ بَاطِلٌ؛ إذْ الْوَقْفُ أَمَانَةٌ فِي يَدٍ مُسْتَعِيرَةٍ فَلَا يَتَأَتَّى الْإِيفَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ بِالرَّهْنِ سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ بَاعَهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلتَّدْبِيرِ حَتَّى لَوْ عَادَ إلَيْهِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَعْتِقُ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لُزُومُ التَّدْبِيرِ لَا صِحَّةُ التَّعْلِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ وَصْفُ اللُّزُومِ لَا غَيْرُ اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ بَاطِلٌ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَلَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى فَرَفَعَهُ الْعَبْدُ إلَى قَاضٍ حَنَفِيٍّ وَادَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَحَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلُزُومِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقْضِيَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْحُرِّ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِنٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى الْقِنِّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ التَّدْبِيرِ: رَجُلٌ قَالَ: هَذِهِ أَمَتَى إنْ احْتَجْتُ إلَى بَيْعِهَا أَبِيعُهَا، وَإِنْ بَقِيَتْ بَعْدَ مَوْتِي فَهِيَ حُرَّةٌ فَبَاعَهَا جَازَ كَذَا فِي فَتَاوَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ اهـ.
وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا مُدَبَّرَةٌ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ الْحِيَلِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْلِكُ بَيْعَهُ يَقُولُ: إذَا مِتُّ وَأَنْتَ فِي مِلْكِي فَأَنْتَ حُرٌّ فَهَذَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا فَيَمْلِكُ بَيْعَهُ فَإِذَا مَاتَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ اهـ.
فَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَكُونُ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا لَكِنْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آخِرِ الْوَصَايَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ مِتُّ وَأَنْتَ فِي مِلْكِي فَأَنْت حُرٌّ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَعْتِقْ اهـ.
وَهُوَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِهِ فِي الْحِيَلِ: إنَّهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْوَصَايَا لَا يَعْتِقُ مَعْنَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَلَعَلَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ تَجَزِّي التَّدْبِيرِ تَأَمَّلْ وَرَأَيْت فِي وَصَايَا خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ رَقَبَتَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهَا عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَعَتَقَ ثُلُثُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ أُكْمِلَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى الثُّلُثِ سَعَى لِلْوَرَثَةِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ أُكْمِلَ لَهُ إلَخْ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْمَالِ وَمِنْهُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ وَعَلَيْهِ ثُلُثَا رَقَبَتِهِ فَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهَا أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ أُكْمِلَ لَهُ تَتِمَّةُ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهَا أَكْثَرَ يَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ فَيُكْمَلُ لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحْ إلَخْ)