الْمُثْبِتُ لَهُ قَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْسَ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ عَتَقَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَشْعُرْ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ عَنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ.

أَمَّا سَبَبُهُ الْبَاعِثُ فَفِي الْوَاجِبِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ وَفِي غَيْرِهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْوَاعُهُ أَرْبَعَةٌ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ، فَالْوَاجِبُ الْإِعْتَاقِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ إلَّا أَنَّهُ فِي بَابِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَفِي بَابِ الْيَمِينِ وَاجِبٌ عَلَى التَّخْيِيرِ. وَالْمَنْدُوبُ الْإِعْتَاقُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَدَبَ إلَى ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» ؛ وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ حَتَّى يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، أَمَّا الْمُبَاحُ فَهُوَ الْإِعْتَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، أَمَّا الْمَحْظُورُ فَهُوَ الْإِعْتَاقُ لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ شَرَائِطِهِ، وَحُكْمُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ أَوْ ثُبُوتُ الْعِتْقِ عَلَى الِاخْتِلَافِ.

(قَوْلُهُ: هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَمْلُوكِ) أَيْ الْإِعْتَاقُ شَرْعًا وَالْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَهْلِيَّتُهُ لِلْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَدَفْعِ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إزَالَةُ الضَّعْفِ الْحُكْمِيِّ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِي الْمُحِيطِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا تَوْثِيقًا وَصِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ وَالتَّنَازُعِ فِيهِ كَمَا فِي الْمُدَايَنَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التِّجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَالْكِتَابَةُ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ

(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ مِنْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ لِمَمْلُوكِهِ بِأَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَمُحَرَّرٌ وَحَرَّرْتُك وَأَعْتَقْتُك نَوَاهُ أَوْ لَا) بَيَانٌ لِشَرَائِطِهِ وَصَرِيحِهِ وَحُكْمِ الصَّرِيحِ، أَمَّا شَرَائِطُهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ مِنْهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذِكْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ إعْتَاقِ غَيْرِ الْحُرِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَاحْتُرِزَ بِالْمُكَلَّفِ عَنْ عِتْقِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَعَنْ عِتْقِ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، أَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالَةِ إفَاقَتِهِ عَاقِلٌ وَفِي حَالَةِ جُنُونِهِ مَجْنُونٌ وَخَرَجَ الْمَعْتُوهُ أَيْضًا وَالْمَدْهُوشُ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُمْ كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُمْ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ وَأَنَا نَائِمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْته وَأَنَا مَجْنُونٌ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ جُنُونُهُ أَوْ قَالَ وَأَنَا حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ صِيغَةَ الْإِعْتَاقِ لَا حَقِيقَتَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُعْتَرِفًا بِالْإِعْتَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْته قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ يُخْلَقَ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ الْمُكَاتَبِ لِانْعِدَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَحْرَمًا مِنْهُ أَوْ الْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ مِلْكِهِمَا وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ سَيِّدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلَهُ نَعَمْ هُوَ شَرْطٌ لِلنَّفَادِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا إلَّا فِي الصِّحَّةِ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ لِلْمَمْلُوكِ لَكَانَ أَوْلَى.

لِأَنَّ شَرْطَهُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مَمْلُوكًا وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ الْمَمْلُوكُ رَقَبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَصَحَّ إعْتَاقُ الْمَوْلَى الْمَكَاتِبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَرْهُونَ وَالْمُسْتَأْجَرَ وَالْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَعْتِقْ رَقَبَةَ هَذَا الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ عَتَقَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ فَأَعْتَقَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَرِدُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ مَحْضٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015