بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ أَنَّهُمْ إذَا أَكَلُوا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لِأُمِّهِمْ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ فَلَوْ أُعْطُوا نِصْفَ الْكِفَايَةِ وَاسْتَدَانَتْ الْأُمُّ لَهُمْ النِّصْفَ رَجَعَتْ بِمَا اسْتَدَانَتْ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ سُقُوطِهَا بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَنَّ دَيْنَهَا حِينَئِذٍ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ نَفَقَةً وَلِأُمِّهِمْ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ اهـ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا فَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا إذَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلُوا مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لِلْقَاضِي افْرِضْ نَفَقَةَ هَذَا الصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ وَمُرْنِي حَتَّى أَسْتَدِينَ عَلَيْهِ فَفَعَلَهُ الْقَاضِي فَإِذَا اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ وَأَيْسَرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ لَا تَأْخُذُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مِنْ النَّاسِ لَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ بِشُرُوطِهِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ مَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَمَا فِي الْجَامِعِ إذَا قَصُرَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يُقَالُ إذَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا فَكَيْفَ يُنَاسِبُ ذِكْرَ الِاسْتِدَانَةِ تَأَمَّلْ. اهـ.
يَعْنِي: قَوْلَهُ تُجْبَرُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزِمُهَا بِأَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَى زَوْجِهَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ قُلْتُ: إذَا أُجْبِرَتْ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْإِذْنِ فَتَرْجِعُ بِهِ وَلَيْسَ فِي أَكْلِهِمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ، بَلْ عَلَى ضِدِّهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لِلْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ فَهِمَ مُخَالَفَتَهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا وَتَرْجِعَ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا وَأَمْرُ الْقَاضِي يَلْزَمُ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَإِذَا فَعَلَتْ مَا أَمَرَهَا الْقَاضِي تَرْجِعُ وَإِنْ خَالَفَتْ لَا تَرْجِعُ تَأَمَّلْ أَقُولُ: وَإِذَا أَمَرَهَا الْأَبُ بِأَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ وَتَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ جَازَ فَإِذَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِ تَرْجِعُ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي، وَهَذَا ظَاهِرٌ قُلْتُهُ تَفَقُّهًا وَيُعْلَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الصَّحِيحَ الرُّجُوعُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الرُّجُوعُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ رَجَعَ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ قَالَ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلصَّغِيرِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَفْرِضُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ وَاجِدًا لِلنَّفَقَةِ فَامْتَنَعَ عَنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُ يَفْرِضُ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَبِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الْمَرْأَةَ بِالِاسْتِدَانَةِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهَا حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَبِ.
وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا هَذِهِ النَّفَقَةَ هَلْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ إنْ تَرَكَ مَالًا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اسْتِدَانَةَ الْمَرْأَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ كَذَا هُنَا. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدْ عَزَاهَا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لِلْحَاوِي، وَكَذَلِكَ عَزَاهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِلْحَاوِي وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ تَصْحِيحَ الْخَصَّافِ لَا يُصَادِمُ تَصْحِيحَ الْأَصْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ اهـ
أَيْ: تَصْحِيحُ الْأَصْلِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْمُعْتَمَدُ الرُّجُوعُ فِي تَرِكَتِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ الْمُسْتَدَانَةُ بِإِذْنٍ لَمْ تَسْقُطْ فِي الصَّحِيحِ فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ) أَقُولُ: هَذَا سَهْوٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَهُ سَقَطُ بَعْضِ الْكَلَامِ مِنْ نُسْخَتِهِ الْبَدَائِعِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَمَا يُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُحْبَسُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ إيذَاءَ الْأَبِ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْحَبْسِ إيذَاؤُهُ إلَّا أَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ إذْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ فَكَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَالْقَاصِدِ إهْلَاكَهُ فَدُفِعَ قَصْدُهُ بِالْحَبْسِ وَيَتَحَمَّلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْإِيذَاءِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ
؛ وَلِأَنَّ هَا هُنَا ضَرُورَةً أُخْرَى وَهِيَ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ أَعْنِي النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ
؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ يَفُوتُ حَقُّهُمْ رَأْسًا فَشُرِعَ الْحَبْسُ فِي حَقِّهِ لِضَرُورَةِ اسْتِدْرَاكِ الْحَقِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَوَاتِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّدَارُكِ بِالْحَبْسِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْقَسَمِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ اهـ. كَلَامُ الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي