فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهِ عُرْفٌ يُصَحِّحُ إرَادَةَ الْبَعْضِ أَفَادَ مَسْحَ مُسَمَّاهُ، وَهُوَ الْكُلُّ أَوْ كَانَ أَفَادَ بَعْضًا مُطْلَقًا وَيَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الِاسْتِيعَابِ وَغَيْرِهِ فَلَا إجْمَالَ كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ تَقْدِيرِ الْإِجْمَالِ بِأَنَّهَا احْتَمَلَتْ الْبَاءَ لِلصِّلَةِ وَالْإِلْصَاقِ وَالتَّبْعِيضِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَعْيِينِ بَعْضِهَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مَعْنَاهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ الْإِلْصَاقُ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهُ الْمُحَقِّقُونَ فَإِنَّ التَّبْعِيضَ لَيْسَ مَعْنًى أَصْلِيًّا بَلْ يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الْإِلْصَاقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ فِي التَّحْرِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ادَّعَوْا التَّبْعِيضَ فِي نَحْوِ شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَابْنُ جِنِّيٍّ يَقُولُ فِي سِرُّ الصِّنَاعَةِ لَا نَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ؛ وَلِأَنَّ الْإِلْصَاقَ الْجَمْعُ عَلَيْهِ لَهَا مُمْكِنٌ فَيَثْبُتُ التَّبْعِيضُ اتِّفَاقِيًّا لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الْمُلْصَقِ لَا مَدْلُولًا اهـ.

الثَّانِي: أَنَّ الْبَاءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا مَوْجُودَةٌ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فَهِيَ مُجْمَلَةٌ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ فَكَيْفَ تُبَيِّنَ الْمُجْمَلَ فَيَعُودُ النِّزَاعُ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا الثَّالِثُ أَنَّ جَعْلَ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مُبَيِّنًا لِلْآيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ أَوَّلُ وُضُوئِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَنُقِلَ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْتَفِي التَّأْخِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا حُضُورًا فِي تِلْكَ السُّبَاطَةِ وَإِلَّا لَنُقِلَ؛ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فَعُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي الْآيَةِ

الرَّابِعُ: أَنَّ النَّاصِيَةَ لَيْسَتْ قَدْرَ الرُّبُعِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ الْمَفْرُوضُ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ الرُّبُعُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ رِوَايَةً مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ النَّاصِيَةُ تَبْلُغُ رُبُعَ الرَّأْسِ، وَإِذَا كَانَتْ النَّاصِيَةُ لَا تَبْلُغُ الرُّبُعَ لَا يَجُوزُ فَدَلَّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا، وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ النَّاصِيَةُ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ النَّاصِيَةُ مَا بَيْنَ النَّزَعَتَيْنِ مِنْ الشَّعْرِ، وَهِيَ دُونَ الرُّبُعِ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ السَّاعَاتِيِّ وَفِي الْبَدِيعِ وَابْنِ الْهُمَامِ أَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ وَالْفِعْلَ الَّذِي هُوَ الْمَسْحُ قَدْ تَعَدَّى إلَى الْآلَةِ، وَهِيَ الْيَدُ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ إذَا دَخَلَتْ فِي الْآلَةِ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى كُلِّ الْمَمْسُوحِ كَمَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ بِيَدِي أَوْ عَلَى الْمَحَلِّ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْآلَةِ وَالتَّقْدِيرُ وَامْسَحُوا أَيْدِيَكُمْ بِرُءُوسِكُمْ فَيَقْتَضِي اسْتِيعَابَ الْيَدِ دُونَ الرَّأْسِ وَاسْتِيعَابُهَا مُلْصَقَةً بِالرَّأْسِ لَا تَسْتَغْرِقُ غَالِبًا سِوَى رُبُعِهِ فَتَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالِاسْتِيعَابُ فِي التَّيَمُّمِ لَمْ يَكُنْ بِالْآيَةِ بَلْ بِالسُّنَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا رِوَايَةُ الْأُصُولِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ

وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى وَوَجَّهُوهَا بِأَنَّ الْوَاجِبَ إلْصَاقُ الْيَدِ وَالْأَصَابِعِ أَصْلُهَا وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَمَعَ ذَلِكَ، فَهِيَ غَيْرُ الْمَنْصُورِ رِوَايَةً وَدَارِيَةً أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِنَقْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ رِوَايَةَ الرُّبُعِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأَخِيرَةَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلٍ الْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ بِوَاسِطَةِ تَعَدِّي الْفِعْلِ إلَى تَمَامِ الْيَدِ، فَإِنَّهُ بِهِ يَتَقَدَّرُ قَدْرُهَا مِنْ الرَّأْسِ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ عَيْنُ قَدْرِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَزَاهَا فِي النِّهَايَةِ إلَى مُحَمَّدٍ وَعَزَا رِوَايَةَ الرُّبُعِ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْحَقُّ، وَلَوْ وَضَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ، وَلَمْ يَمُدَّهَا جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ لَا الرُّبُعِ، وَلَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنْصُوبَةً غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ لَمْ يَجُزْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اتِّفَاقًا، وَلَوْ مَدَّهَا حَتَّى بَلَغَ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ أَيْ الْعُرْفُ أَفَادَ بَعْضًا مُطْلَقًا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ الْمُطْلَقَ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ لَا يَدْرِي مِقْدَارَهُ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَنْتِفْ الْإِجْمَالُ وَحُصُولُهُ فِي ضِمْنِ الِاسْتِيعَابِ لَا يَنْفِيه أَيْضًا بَلْ يَنْفِي الْحَاجَةَ إلَى بَيَانِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِإِفَادَةِ الْبَعْضِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِأَيِّ جُزْءٍ كَانَ، وَإِنْ قَلَّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَبْقَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ لَنَا أَصْلًا.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ بَلْ أُرِيدَ بَعْضٌ مُقَدَّرٌ، وَإِلَّا كَانَ حَاصِلًا بِغَسْلِ الْوَجْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإِنَّ الْمَفْرُوضَ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ مُقَدَّرٌ، فَكَذَا فِي هَذِهِ الْوَظِيفَةِ

وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ بِعَلَى دُونَ الْبَاءِ فَلَا يَعُودُ النِّزَاعُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَعُودُ عَلَى رِوَايَةِ الْبَاءِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُصُولِ الْوَاجِبِ فِي ضِمْنِ الِاسْتِيعَابِ فَتَنْتَفِي الْحَاجَةُ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ كَانَ كَذَلِكَ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعَزَاهَا فِي النِّهَايَةِ إلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَعَلَيْهِ فَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا عَنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنْصُوبَةٍ غَيْرِ مَوْضُوعَةٍ) أَيْ وَلَا مَمْدُودَةٍ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ مَوْضُوعَةٍ أَنَّهُ لَمْ يَضَعْهَا بِتَمَامِهَا عَلَى الرَّأْسِ بِأَنْ مَسَحَ بِأَطْرَافِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَبْلُغُ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَلَا مِقْدَارَ الرُّبْعِ فَلِذَا قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُ وَلَوْ مَدّهَا إلَخْ أَيْ هَذِهِ الْأَصَابِعَ الْمَنْصُوبَةَ الْغَيْرَ الْمَوْضُوعَةِ بِأَنْ مَسَحَ بِأَطْرَافِهَا وَمَدَّهَا مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ مِقْدَارَ الرُّبْعِ لَمْ يَجُزْ بَقِيَ مَا إذَا وَضَعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015