ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَمْتِعَةٌ فَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَلْبَسَ مَتَاعَهَا وَلَا أَنْ تَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهَا أَنْ تَفْرِشَ مَتَاعَهَا لِيَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَتَهَا وَأَنْفَقَتْ مِنْهَا قَلِيلًا وَأَمْسَكَتْ الْبَاقِيَ فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمِنْهَا أَنَّ أَدَوَاتِ الْبَيْتِ كَالْأَوَانِي وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّجُلِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ حَالِهِمَا مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَفُرُشٍ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِمَا هُوَ مِلْكُهَا وَلَا أَنْ تَفْرِشَ لَهُ شَيْئًا مِنْ فِرَاشِهَا وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَنْبِيهًا لِلْأَزْوَاجِ لِمَا نَرَاهُ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَقْصِيرِهِمْ فِي حُقُوقِهِنَّ حَتَّى أَنَّهُ يَأْمُرَهَا بِفَرْشِ أَمْتِعَتِهَا جَبْرًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لِأَضْيَافِهِ وَبَعْضُهُمْ لَا يُعْطِي لَهَا كِسْوَةً حَتَّى كَانَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ غَنِيَّةً صَارَتْ فَقِيرَةً، وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا

وَأَرَادَ بِالزَّوْجَةِ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلزَّوْجَةِ الزَّوْجَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ ظَاهِرًا إلَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا مِنْ زَوْجِهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا الزَّوْجُ بِمَا أَخَذَتْ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أُخْتَانِ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا زَوْجُهَا وَهُوَ يَجْحَدُ فَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ فَلَهُمَا نَفَقَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَانِعَةً نَفْسَهَا بِحَقٍّ كَالْمَنْعِ لِقَبْضِ مَهْرِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُعَجَّلُ إمَّا نَصًّا أَوْ عُرْفًا كَمَا أَسْلَفْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ فَكَانَ فَوْتُ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ فَيُجْعَلُ كَلَا فَائِتٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَنْعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قَيَّدْنَا الْمَهْرَ بِالْمُعَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا فَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ نُشُوزٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ فَعَلَى هَذَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَنَعْنِي بِالتَّسْلِيمِ التَّخْلِيَةَ وَهِيَ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَ نَفْسِهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِرَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ وَطْئِهَا أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلَوْ تَزَوَّجَ بَالِغَةً حُرَّةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً وَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا وَهِيَ بِحَيْثُ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا وَطَلَبَتْ هِيَ النَّفَقَةَ وَلَمْ يُطَالِبْهَا هُوَ بِالنُّقْلَةِ فَلَهَا النَّفَقَةُ فَإِنْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ وَامْتَنَعَتْ فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ بِأَنْ امْتَنَعَتْ لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا الْمُعَجَّلِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ بَعْدَمَا أَوْفَاهَا الْمَهْرَ إلَى دَارٍ مَغْصُوبَةٍ فَامْتَنَعَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ، وَلَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي مَنْزِلِهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَا عَلَى سَبِيلِ النُّشُوزِ، بَلْ قَالَتْ لَهُ حَوِّلْنِي إلَى مَنْزِلِكَ أَوْ اكْتَرِ لِي مَنْزِلًا أَنْزِلُهُ فَإِنِّي مُحْتَاجَةٌ إلَى مَنْزِلِي هَذَا آخُذُ كَرَاهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ.

كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا لَمْ تُزَفَّ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ وَهُوَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ إذَا لَمْ يُطَالِبْهَا بِالنُّقْلَةِ.

(قَوْلُهُ لَا نَاشِزَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الزَّوْجَةِ أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْعِصَابَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُبْغِضَةُ لَهُ، يُقَالُ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ، وَعَنْ الزَّجَّاجِ النُّشُوزُ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهِيَ كَرَاهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهَا أَنْ تَفْرِشَ مَتَاعَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُبْتَغَى أَنَّهَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَّا إذَا سَكَتَ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَإِذَا زُفَّتْ إلَيْهِ بِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَفِي عُرْفِنَا يَلْتَزِمُونَ كَثْرَةَ الْمَهْرِ لِكَثْرَةِ الْجِهَازِ وَقِلَّتَهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا مَرَّ. اهـ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَالَ الْحَمَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُبْتَغَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هُوَ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ إذَا كَانَ عَامًّا فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالزَّوْجَةِ إلَخْ) فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَلَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ وَأَخَذَتْ ذَلِكَ شَهْرًا، ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ بِأَنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَخَذَتْ، وَأَمَّا إذَا أَنْفَقَ بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ كَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ لَا تَسْتَحِقُّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا شُهُودٍ فَاسِدٌ وَالنَّفَقَةُ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالِاحْتِبَاسِ وَلَا احْتِبَاسَ فِي الْفَاسِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا إلَيْهِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015