بَعْدُ وَلِهَذَا قَالُوا الْإِبْرَاءُ عَنْ النَّفَقَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَجَبَتْ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي مَا دُمْتُ امْرَأَتَكَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَالْإِبْرَاءُ بَاطِلٌ وَإِنْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا سِوَاهَا اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا يَقَعُ عَلَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا عَدَاهُ فَإِنْ قُلْتَ إذَا حَكَمَ مَالِكِيٌّ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَفِي شُرُوطِهِ وَكَتَبَ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَكَتْ الْمَرْأَةُ وَطَلَبَتْ التَّقْرِيرَ عِنْدَ قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَهَلْ لَهُ تَقْرِيرُهَا قُلْتُ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا أَيْضًا وَمَا نَقَلُوهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ فِي حَادِثَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ وَمَا نَقَلَ الْكُلُّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحُكْمِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَنَفِيِّ ذَلِكَ، وَقَدْ كَثُرَ وُقُوعُهَا فِي زَمَانِنَا خُصُوصًا أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمَا يَتَجَدَّدُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ حُكْمٌ، وَفِي الْقُنْيَةِ قَوْلُ الْقَاضِي اسْتَدِينِي عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَرْضٌ مِنْهُ كَحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءً بِهِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطِ الزَّوْجُ لَهَا نَفَقَةً وَلَا كِسْوَةً فَلَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْ طَعَامِهِ وَتَتَّخِذَ ثَوْبًا مِنْ كِرْبَاسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْقُنْيَةِ وَمِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي عَلَى الزَّوْجِ الْحَطَبُ وَالصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَالدُّهْنُ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ وَثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ وَفِي كِتَابِ رَزِينٍ جَعَلَهُ عَلَيْهَا وَفَصَلَ فِي مَاءِ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ فَإِنْ جَاءَتْ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهَا كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، وَأَمَّا ثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَعَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً تَسْتَأْجِرُ مَنْ يَنْقُلُهُ وَلَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ الزَّوْجُ لَهَا أَوْ يَدَعَهَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ لَكِنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَسَوَّى فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَ ثَمَنِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ وَمَاءِ الْوُضُوءِ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ مَاءُ وُضُوئِهَا عَلَيْهِ غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَصَارَ كَالشُّرْبِ اهـ.
فَظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ وَكَانَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَقَالَ اُحْسُبُوا لَهَا نَفَقَتَهَا مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ إلَّا أَنَّ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ تَقَاصَّا أَوْ لَمْ يَتَقَاصَّا وَهُنَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الزَّوْجِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ أَنْقَصُ مِنْ سَائِرِ الدُّيُونِ لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَكَانَ دَيْنُ الزَّوْجِ أَقْوَى فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِالْمُقَاصَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا اهـ.
وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لَهَا بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَ شَهْرٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَفَلْتُ لَكِ بِنَفَقَتِكِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا أَبَدًا أَوْ مَا دُمْتُمَا زَوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ مَا دَامَا زَوْجَيْنِ، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَدَّرَ مُحَمَّدٌ الْكِسْوَةَ بِدِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ وَمِلْحَفَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْمِلْحَفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ غِطَاءُ اللَّيْلِ تَلْبَسُهُ فِي اللَّيْلِ وَذَكَرَ دِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ أَرَادَ بِهِمَا صَيْفِيًّا وَشَتْوِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَاوِيلَ فِي الصَّيْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَتَجِبُ السَّرَاوِيلُ وَثِيَابٌ أُخَرُ كَالْجُبَّةِ وَالْفِرَاشِ الَّتِي تَنَامُ عَلَيْهِ وَاللِّحَافِ وَمَا تَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعُ خَزٍّ وَجُبَّةِ قَزٍّ وَخِمَارِ إبْرَيْسَمَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخُرُوجِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ تَهْيِئَةُ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ لَوْ كَفَلَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي بَحْثُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفَقَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعَلَيْهِ خُفٌّ لِجَارِيَتِهَا أَوْ الْمُكَعَّبُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ خُفُّهَا وَيَجِبُ خُفُّ أَمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ لَا أَمَتُهَا اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَسَيُصَرِّحُ هَذَا الشَّارِحُ بِهَا فِي قَوْلِهِ وَلِخَادِمِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْمِلْحَفَةِ غِطَاءَ اللَّيْلِ