الْأَبُ بِوَلَدِهِ قَبْلَ الِاسْتِغْنَاءِ اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأُمِّ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَضَانَتَهَا إذَا سَقَطَتْ جَازَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ إذَا أَخَذَ الْمُطَلِّقُ وَلَدَهُ مِنْ حَاضِنَتِهِ لِزَوَاجِهَا هَلْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ حَقُّ أُمِّهِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
هِيَ فِي اللُّغَةِ مَا يُنْفِقُ الْإِنْسَانُ عَلَى عِيَالِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ} [التوبة: 54] ، وَيُقَالُ أَنْفَقَ الرَّجُلُ مِنْ النَّفَقَةِ قَالَ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَأَنْفَقَ الْقَوْمُ إذَا أَنْفَقَتْ سُوقُهُمْ وَأَنْفَقَ الرَّجُلُ إذَا ذَهَبَ مَالُهُ، وَيُقَالُ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100] أَيْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ، وَيُقَالُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نِفَاقًا نَقِيضُ كَسَدَتْ وَنَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا إذَا مَاتَتْ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُرَادَةَ هُنَا لَيْسَتْ مُشْتَقَّةً مِنْ النُّفُوقِ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَلَا مِنْ النَّفَقِ وَلَا مِنْ النِّفَاقِ، بَلْ هِيَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى عِيَالِهِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ، قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ النَّفَقَةِ، قَالَ النَّفَقَةُ هِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى اهـ.
قَالُوا وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ لِمُنَاسَبَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ.
(قَوْلُهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَالْكِسْوَةُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا) أَيْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِقَرِينَةِ عَطْفِ الْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى عَلَيْهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُفْتِي وَالْوَالِي وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُقَاتَلَةُ إذَا أَقَامُوا لِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ؛ وَلِذَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ الرَّاهِنِ أَيْضًا وَهُوَ وَفَاءُ دَيْنِهِ عَنْهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكَافِرَةَ الْغَنِيَّةَ وَالْفَقِيرَةَ وَأَطْلَقَ فِي الزَّوْجِ فَشَمِلَ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَهْرِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ طَرِيقَ إيصَالِ النَّفَقَةِ إلَيْهَا وَهُوَ نَوْعَانِ: تَمْكِينٌ، وَتَمْلِيكٌ فَالتَّمْكِينُ مُتَعَيَّنٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ كَثِيرٌ وَهُوَ صَاحِبُ مَائِدَةٍ فَتَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْ تَنَاوُلِ مِقْدَارِ كِفَايَتِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِفَرْضِ النَّفَقَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ رَضِيَتْ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ) أَيْ: الْمَنْسُوبَةِ إلَى الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ شَيْخِ الْكَمَالِ ابْنُ الْهُمَامِ وَهَذِهِ غَيْرُ الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ الَّتِي يُنْقَلُ عَنْهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
[بَابُ النَّفَقَةِ]
[الزَّوْجِيَّةِ]
(بَابُ النَّفَقَةِ)
(قَوْلُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا أَسْبَابُ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ أَيْ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا بِسَبَبِ وُجُوبِهَا اسْتِحْقَاقَ الْحَبْسِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السَّبَبُ الزَّوْجِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لَهُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَكَذَا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً، وَكَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ لِانْعِدَامِ حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِتَحْصِينِ الْمَاءِ؛ وَلِأَنَّ حَالَ الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حَالِ النِّكَاحِ اهـ. مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي مِنْ الْمُؤَلِّفِ الْكَلَامُ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقُولَةِ.
(قَوْلُهُ: أَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تُوطَأُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَاسْتَغْنَى عَنْ اسْتِثْنَائِهَا بِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالًا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ أَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِ قَاصِرٍ وَمُرْضِعٍ بَالِغَةٍ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَطَاقَةَ الْوَطْءِ بِمَهْرٍ كَثِيرٍ وَلُزُومِ نَفَقَةٍ يُقَرِّرُهَا الْقَاضِي تَسْتَغْرِقُ مَالَهُ إنْ كَانَ أَوْ يَصِيرُ ذَا دَيْنٍ كَثِيرٍ، وَنَصُّ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْأَبُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً أَوْ فِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ اهـ