الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَمْرِهَا كَذَا أَوْ مِنْ أَمْرِهَا كَذَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَمَا قِيلَ: إنَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنَّك لَجَمِيلَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّك لَتُعْجِبِينِي أَوْ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَجْتَمِعَ أَنَا وَإِيَّاكَ وَإِنَّك لَدَيِّنَةٌ فَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُشَافِهَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لِلْحَالِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا صَرِيحٌ فِي الْخِطْبَةِ وَبَعْضَهَا صَرِيحٌ فِي إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّعْرِيضَ جَائِزٌ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ.
وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إيرَاثِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْمُطَلِّقِ وَالْخَاطِبِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ فَلَا عَدَاوَةَ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا وَرَثَتِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قَالَ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ أَرَادَ بِهِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى لَا إثْمَ عَلَيْكُمْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ لَهُنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِإِرَادَةِ نِكَاحِهِنَّ أَوْ أَضْمَرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فَلَمْ تَنْطِقُوا بِهِ تَعْرِيضًا وَلَا تَصْرِيحًا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ نِكَاحًا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي السِّرِّ وَالِاسْتِدْرَاكُ مِمَّا قَدَّرْنَاهُ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] أَيْ: لَا تُخْرِجُوا الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ الْمَسَاكِنِ الَّتِي كُنْتُمْ تَسْكُنُونَ فِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَسَاكِنُ عَارِيَّةً فَارْتُجِعَتْ مِنْ السَّاكِنِ كَانَ عَلَى الْأَزْوَاجِ أَنْ يُعَيِّنُوا مَسَاكِنَ أُخْرَى بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ الْكِرَاءِ وَعَلَى الزَّوْجَاتِ أَيْضًا أَنْ لَا يَخْرُجْنَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا لِضَرُورَةٍ ظَاهِرَةٍ، فَإِنْ خَرَجْنَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَانَ حَرَامًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْفَاحِشَةُ الزِّنَا فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خُرُوجُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِصْيَانُ الظَّاهِرُ وَهُوَ النُّشُوزُ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ وَجَمَعَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْإِخْرَاجِ وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ إخْرَاجُ الزَّوْجِ لَهَا غَصْبًا وَكَرَاهَةً أَوْ حَاجَةً إلَى الْمَسْكَنِ وَأَنْ لَا يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إذَا طَلَبَتْ وَالْخُرُوجَ خُرُوجُهُنَّ بِأَنْفُسِهِنَّ إذَا أَرَدْنَ ذَلِكَ وَقُرِئَ {مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِتَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَذُكِرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: الصَّحِيحُ تَفْسِيرُهَا بِالزِّنَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجْعِيَّ وَالْبَائِنَ بِنَوْعَيْهِ وَالْمُرَادُ مُعْتَدَّةُ الْفُرْقَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَا إذَا خَرَجَتْ بِإِذْنِ الْمُطَلِّقِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ حَتَّى إنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا وَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً حُكْمًا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَعْدَهُ لِلْعِدَّةِ وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالْإِذْنِ.
وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَخْرُجُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَمَا إذَا أُخْرِجَتْ أَوْ انْهَدَمَ الْبَيْتُ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْعِدَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَالِ النِّكَاحِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا حَالَ النِّكَاحِ فَكَذَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الْخِدْمَةَ حَقُّ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا إذَا بَوَّأَهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَخْرُجُ وَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ بَوَّأَهَا فِي النِّكَاحِ ثُمَّ طَلُقَتْ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَطْلُبَهَا الْمَوْلَى، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحِدَادِ وَلَكِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَجْنُونَةَ تَحْصِينًا لِمَائِهِ مِنْ الْخُرُوجِ وَيَمْنَعَ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيًّا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ: إنَّ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] يَقُولُ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَنَحْوِهِ إنَّك لَجَمِيلَةٌ أَوْ صَالِحَةٌ فَلَا يُصَرِّحُ بِنِكَاحِهَا وَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِتَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى النَّخَعِيّ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ: مِنْ تَفْسِيرِهَا بِالزِّنَا أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ {إِلا أَنْ} [الطلاق: 1] غَايَةٌ وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ وَمَا قَالَهُ النَّخَعِيّ أَبْدَعُ وَأَعْذَبُ فِي الْكَلَامِ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَطَابِيَّاتِ لَا تَزْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِقًا وَلَا تَشْتُمْ أُمَّك إلَّا أَنْ تَكُونَ قَاطِعَ رَحِمٍ وَنَحْوَهُ وَهُوَ بَدِيعٌ بَلِيغٌ جِدًّا.
(قَوْلُهُ كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَقَالَ